مقالات الرأي
أخر الأخبار

من انت؟! ✍️ عادل عسوم

هذا سؤال مهم يا أحباب، سؤال ينبغي أن يسأله كل منا لنفسه دوما، والشاهد والمقصود به دواخلنا قلبا ووجدانا.

قيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب، صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد.

حديث صحيح.

سلامة القلوب وتشكيل الوجدان والتصالح بين الظاهر والباطن هدف أساس ومطلب لدين الله، وبذلك يأتي المؤمن التقي الله بقلب سليم.

يقول الإمام ابن القيم في كتاب إغاثة اللهفان:

القلب لا تتم له سلامته مطلقا حتى يسلم من خمسة أشياء:

1- من شرك يناقض التوحيد

2- وبدعة تخالف السنة

3- وشهوة تخالف الأمر

4- وغفلة تناقض الذكر

5- وهوى يناقض التجريد والإخلاص.

وهذه الخمسة حُجبٌ عن الله، وتحت كل واحد منها أنواع كثيرة وتتضمن أفراداً لا تنحصر.

انتهى.

عندما أقرأ في السياقات التي تعنى بسلامة القلوب ومطابقة الظاهر بالباطن أتذكر آيات سورة البقرة:

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)} البقرة.

ولان قيل بأنها نزلت في شأن الأخنس ابن شريق -وقيل غير ذلك- إلا أن الطبري رحمه الله لم يرجح أيًّا من الأقوال التي قيلت في سبب نزول هذه الآيات، ما يعني أن الروايات عنده متعارضة، وليس فيها ما يرحج على غيره لاعتماده والقول به.

وإذا تبين ما قيل في أسباب النزول، نضيف إليه أن المفسرين ذهبوا في تفسير الآية مذهبين: الأول: يرى أن الآية خاصة بمن نزلت فيه من المنافقين.

والثاني: يرى أن الآية عامة في كل ما كان ظاهره خلاف باطنه. وهذا المذهب الثاني هو الذي عليه جمهور المفسرين، وهو الذي قال عنه الرازي : “هو اختيار أكثر المحققين من المفسرين، أن هذه الآية عامَّة في حق كل من كان موصوفاً بهذه الصفات المذكورة”.

ولعلي ممن يركن إلى كونها عامة في كل ماكان ظاهره خلاف باطنه.

لنعد قراءة آيات سورة البقرة يا أحباب:

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)} البقرة.

ما أكثر أمثال هذا الموصوف في هذه الآيات!

تجده معسول الكلام، ومنهم يدرس علم النفس خصيصا أو يكثر من قراءاته فيه لأجل معرفة المداخل للناس، وقد (يُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ)، أي قد يحلف لك بالله ليصدقه السامع، -وهنا اتذكر نصيحة سمعتها من الخال أحمد محجوب حاجنور رحمه الله بأن لا أركن للذي يكثر الحلف بالله!-، الله يعلم مخبر هذا الموصوف وباطنه بكونه يتناقض بين ظاهره وباطنه، ويتنافر مظهره ومخبره، ويتقن الكذب والتمويه والمداهنة، وتزدحم نفسه بالأنا والكبر فتجده عندما يحاجج ويخاصم، لدود فاجر في الخصومة، اذ نفسه لا ظل فيها للود والسماحة، ولا موضع فيها للحب والخير، ولا مكان فيها للتجمل والإيثار.

ولعل أهم ماتجده فيه انه سيء الظن بكل الناس إلى درجة المرض، ما ان تذكر له اسم امرء موهوب أو ناجح او ناله خير يتمعر وجهه كرها فيذكره لك بسوء، وقد يؤلف قصة من وحي خياله يبهت فيها المذكور، لايتورع عن فعل كبيرة ولا صغيرة خلال حراكه الحياتي، وعندما يبادره صديق أو جليس بأن اتق الله؛ تأخذه العزة بالإثم ولايقبل النصيحة، بل يحمله الكبر والاعتداد بنفسه على مزيد من الآثام، اذ يستنكف أن يقول له أحد اتق الله، فيعظم عليه الأمر، وتأخذته الأنفة، والطيش، والسفه، يخيل إليه أن النصح والإرشاد ذلة تنافي العزة التي تليق بأمثاله، وفي طبع المفسدين النفور ممن يأمرهم بالصلاح، يرون في ذلك تشهيراً بهم، وإعلاناً لمفاسدهم التي يسترونها بزخرف القول وهو لايعلم بأن لفظة اتق الله قالها الله تعالى لأشرف خلق الله وأسماهم مكانة واعلاهم منزلة بأن: {يا أيها النبي اتق الله}!

من عقوبة الله على امثال هذا الموصوف أن يشغله بالخصومات والمشاحنات مع الآخرين، فتنتزع السلامة من صدره وقلبه، وسلامة الصدر نعيمٌ من نعيم الجنة، لا يؤتاها إلا من وفقه الله…

ومن سلم صدره فقد أنعم الله عليه بنعيم أهل الجنة وهو في الدنيا..

ودوننا القصة العظيمة التي رواها الإمام أحمد وغيره، عن أنس بن مالك قال: “كنا جلوسًا مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار، تنطف لحيته من وضوئه، قد تعلّق نعليه في يديه الشمال، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل مقالته أيضًا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، تبعه- أي: تبع الرجل الممدوح- عبد الله ابن عمرو بن العاص- فقال للرجل: إني لاحنت أبي، فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثًا، فإن رأيت أن تؤيني إليك حتى تمضى- أي هذه الأيام الثلاث- فعلت؟ قال: نعم، قال أنس: وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليال الثلاث، فلم يره يقوم من الليل شيئًا، غير أنه إذا تعارّ وتقلب على فراشه ذكر الله تعالى وكبّر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما مرت الثلاث ليال، وكدت أن احتقر عمله، قلت: يا عبد الله، إني لم يكن بيني وبين أبي غضب، ولا هجر، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لك: ثلاث مرار، يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث مرار، فأرد أن أهوي إليك؛ لأنظر ما عملك فاقتدي به، فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال الرجل: ما هو إلا ما رأيت، قال: فلما وليتُ دعاني، فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إيّاه، فقال عبد الله بن عمرو: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق! حديث صحيح

ليس أريح لقلب العبد في هذه الحياة ولا أسعد لنفسه من حسن الظن يا أحباب، فيه يسلم من أذى الخواطر المقلقة التي تؤذي النفس، وتكدر البال، وتتعب الجسد، وحسن الظن يؤدي إلى سلامة الصدر وتدعيم روابط الألفة والمحبة بين أبناء المجتمع، فلا تحمل الصدور غلاًّ ولا حقدًا، امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: “إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا…“.

قال لي احد الاصدقاء من القضاة:

خلال أكثر من أربعين عاما من عملي كقاضي تبين لي أن اكثر من 85% من القضايا التي حكمت فيها كان سببها الأساس سوء ظن لم يكن في مكانه وتفسير خاطيء لكلام وصل احد اطراف القضية فأساء فهمه!.

ليتنا لا نترك موجدة في قلوبنا ضد أحد…

سامح…

واغفر…

وتجاهل…

وتغافل…

وأحسن الظن بالآخرين…

وإذا لم تجد عذرا لأحد فقل: لعل له عذر لا أعلمه…

ولا يصدنك الشيطان عن ذلك؛ فالحياة لحظات تستحق أن تعيشها براحة، وترحل عنها بلاضرر ولا اضرار..

مجرد ابتسامة، وقلب نظيف، ونفس سمحة، تجعلك تستمتع وتطمع في رضوان الله، وتعيش جمال الحياة…

لقد ثبت في علم النفس السلوكي بأن اصحاب النزعة إلى الخصام مع الناس هم الذين يفسرون كل قول او تصرف تجاههم بالسلب والسوء، تعتور نفوسهم على نقص او مهانة، وكذلك الذين يدفعهم التكبر إلى ذلك تكون ذات المهانة في دواخلهم سببا يدفعهم للخصام مع من حولهم،

يقول أحد الصحابة رضي الله عنه:

ما وجد أحد في نفسه كبرا إلا من مهانة يجدها في نفسه…

ما أعظم هذا القول يا أحباب!

لعمري إنه حقيقة يتبينها كل سابر لغور المتكبرين.

اللهم اصلح نفوسنا وارضنا وارض عنا…

اللهم صل على سيدنا محمد وآله عدد ماسبح لك من حي وجماد، واكفنا يا لطيف شر الضلال والإضلال.

آمنت بالله.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى


انضم الى لقناة (زول نت) تلقرام