مقالات الرأي
أخر الأخبار

الحرب كإختبار للوطنية ، دور البنوك في دعم الاقتصاد والمجتمع خلال الأزمات ، و بنك النيل و إستحقاق التكريم (الحلقة الثانية) – (2_2) – همس الحروف – ✍️ د. الباقر عبد القيوم علي

في الحلقة السابقة أشرنا إلى الجهود التي بذلها بنك النيل في دعم الموسم الزراعي في ولاية القضارف ، في بعض الولايات الأخرى التي كانت تنعم بالأمان ، و لقد كان هذا البنك على يقين بأن الظروف الاقتصادية المعقدة التي يمر بها السودان من جراء هذه الحرب قد لا تمكنه من إسترداد حقوقه على الوجه الأكمل ، و لكن للمصلحة العامة إقتضت أن يمضى قدماً في هذا القرار الصعب ، و من الواضح أن البنك على الرغم من كل التحديات المرتبطة بإتلاف التضخم لجزء كبير من رأس ماله كان متوقعاً في مثل هذه الظروف ، و التي ساقت إلى إرتفاع سقف الإنتاج من حيث التكاليف ، إلا أن البنك إستطاع أن يتجاوز كل هذه التحديات ، لأنه كان واضعاً نصب عينيه هدفاً إستراتيجياً واحداً فقط لا غير ، و هو إنقاذ الموسم الزراعي بأي ثمن كان ، و أتى هذا التحدى لأن إدارة و إرادة طاقمه لم تكن كغيرها من الإدارات و الإرادات الخجولة كما في البنوك الأخرى ، فكانوا على قدر المسؤولية لأنهم في الواقع كانوا (رجال دولة) و كانوا في المكان و الزمان المناسبين ، فقدموا المصالح الكلية على خواصهم ، فلم يكن في جعبتهم شيء غير تعزيز الأمن الغذائي في البلاد ، و دعم المواطنين في وقت هذه الأزمة الضاربة بأطنابها في جسد الاقتصاد القومي .

 

مِنْ نافِلة القول أن بنك النيل كان له دور محوري في تخفيف أزمة تكدس البضائع في ميناء بورتسودان ، خاصة في وقت كانت فيه معظم البنوك إما خارجة عن الخدمة أو تفتقر إلى دفاتر شيكات مصرفية ، حيث أتاح البنك لعملائه وغيرهم استخدام شيكات مصرفية لتخليص بضائعهم المكدسة في حظيرة الجمارك ، و هذا الإجراء ساعد في تسريع إنسياب السلع ومنع حدوث فجوة كبيرة في السوق ، بالإضافة إلى تجنب الخسائر المالية الناجمة عن الغرامات المترتبة على التأخير في التخليص الجمركي .

 

من خلال قراءتنا المتأنية لمثل هذه المواقف وجدنا أن بنك النيل من خلال ما قدمه من خدمات يؤكد تأكيداً نافياً للريبة و قاطعاً للشك ، أن هذا البنك كان لا يصبو إلى تحقيق مكاسب مالية ، أو تجنب الخسائر ، بل كان يسعى إلى دور أكبر من هذا بكثير ، و هو ضمان استدامة الزراعة و تحقيق الاستقرار الغذائي الذي يؤدي إلى إستقرار الدولة ، و من خلال هذا التحدي لاحت للشعب السوداني بشائر النصر التي باتت وشيكة ، لأن الله لن يهزم شعباً فيه أناس بهكذا قيم ، و يحملون في دواخلهم هموم الدولة في وقت كان غيرهم من الناس مشغولين بهمومهم الخاصة ، وخصوصاً ان البنك لم يطالبه أحد على أن يقف في هذا الموقف التاريخي ، فقد كان لهم القدح المعلا في هذا النوع من المبادرات ، و التي لها تأثيرها الإيجابي على المدى الطويل في عافية بدن الاقتصاد الوطني من خلال هذا الدعم للقطاع الزراعي ، و الذي يعد أحد الركائز الأساسية لعافية الاقتصاد السوداني .

 

بالتوازي و التوالي على الدولة أن تقف موقفاً واضحا يضاهي إلتزام البنوك في مثل هذه المبادرات ، التي يحسب لها ذلك في ميزانها الأخلاقي ، و كان من المفترض أن تقوم بدورها الإيجابي لتعزيز هذا الالتزام من باب رد الجميل بين قوسي (و ما جزاء الإحسان إلا الإحسان) ، و ذلك عبر تقديم الدولة للدعم المستمر لأى بنك وقف في خانة بنك النيل ، سواء كان ذلك الدعم في صورة تسهيلات مالية أو في شكل حماية للبنية التحتية المصرفية من خلال إيجاد الفرص لهم عبر الودائع الحكومية ، أو إشراك هذه البنوك في خدمات التحصيل الحكومي لمؤسسات الدولة عبر نوافذ البنوك ، فكان من الواجب على الحكومة أن تحفز البنوك الوطنية التي أظهرت التزاماً واضحاً بالمصلحة الوطنية , بدلاً من التجاهل المتعمد لدورها خلال هذه الأزمة ، و هل يعقل ذلك يا سعادة البرهان؟؟ .

 

الحرب كانت امتحاناً أخلاقياً للقطاع المصرفي في السودان ، حيث أظهرت بعض البنوك التزاماً وطنياً حقيقياً بدعم الاقتصاد الوطني ، بينما فشلت بنوك أخرى في ذلك ، و هي معلومة للجميع في عدم الوفاء بتلك المسؤولية الأخلاقية الوطنية ، و كان ينبغي أن تكافئ الحكومة البنوك التي أثبتت جدارتها وتعاونها في هذه المرحلة الصعبة بدلاً من تجريفها ، مثل بنك النيل ذلك البنك الفتي ، والوطني و الأصيل ، الذي تم صرف النظر عن دوره الكبير في إنتشال الإقتصاد السوداني من وحل الضياع .

 

غياب ثقافة حفظ الحقوق و إنعدام مبدأ التعويض في النظم السياسية و الإدارية في الدولة تشكل إفرازات قاتمة تجاه المبادرات الوطنية ، و هذا ما جعل المؤسسات الخاصة مثل بنك النيل في موقع تجهيل مقابل ما أظهرته التجربة ، فكانوا عند قدر التحدي كمؤسسات أكثر نفعاً و قدرة على التعامل مع الأزمات والمساهمة في تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد ، و من المؤكد أن البنك يستطيع ان يتجاوز هذا الأمر في ظل غياب الدعم الكافي من الدولة ، و خصوصاً أنه قد أثبت جدارته و وطنيته في دعم الاقتصاد الوطني ، و أسهم بصورة مباشرة في حلحلة الهموم الوطنية لدى الشعب في وقت صعب للغاية .

 

ما قام به بنك النيل من مبادرات ، في سعيه الدؤوب لدعم الأمن الغذائي وقطاع الزراعة لن يمر بهكذا صورة كمرور الكرام ، نحن ننادي الدولة لإنصافه ، و نرفع له القبعات و لطاقمه الذي أثبت جدارته و حنكته في إدارة الأزمات ، فهو تربع في قلوب الناس حتى إذا لم يتم تعويضه بشكل مباشر ، أو فوري من قبل الدولة ، فإن هذه الأعمال ستظل محفورة في وجدان الشعب السوداني الاصيل ، و سيظل فاعليها عند الشعب أبطال ، و سيخلد التأريخ سيرتهم العطرة في اجمل صفحاته ، و لن ينسى لهم الجهود الوطنية الجبارة التي بذلوها و ساعدت في مواجهة الأزمة .

 

و أختم بان التاريخ سوف يكون شاهداً على مجرياته ، و أن الله هو خير الشاهدين ، و أن الأقدار بيد الله يحركها كيف ما شاء ، و أن الأيام دول بين الناس ، و أن الشعب سيتذكر لهم دائما جميل صنيعهم ، و وقفته معهم في الأوقات الصعبة و خصوصاً في فترة هذه الحرب .

 

و الله من وراء القصد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى


انضم الى لقناة (زول نت) تلقرام