إبتداء من يوم الثلاثاء ، العاشر من ديسمبر 2024م وُلد جنيه سوداني جديد ، نأمل أن يكون صحيحا معافًى من الكساح والإنبطاح ، جنيه تعلوه المهابة وتكسوه قوة التغطية والإبراء ، كتلك التي كسته خلال الفترة من 1958-1978.
يومها تم ربط الجنيه بالدولار الأمريكي بمعدل 2.87156 دولار لكل جنيه سوداني واحد .
ويومها لم يكن يمتلك السودان ، سوى الأرض والماء و( الجدارة) ، وهاهي الأرض اليوم لم تغادر مكانها ولم تبخل عن العطاء ، وهاهو الماء لا يزال يجري من فوقنا ومن تحت أرجلنا شلالا رويا .
لكننا اليوم بحاجة ماسة إلى الجدارة وإلى سعة الخيال وحسن التدبير لنعيد للجنيه مجده وهيبته .
تغييرات عديدة طالت ( الجنيه ) منذ إطلاقه في العام 1960، تاريخ تأسيس البنك المركزي ، وفي العام 1970 تم تغيير العملة لإدخال تقنيات حديثة لتفادي التزوير .
وفي خطوة يمكن تسميتها بالغواية السياسية والعبث الإقتصادي ؛ تم إصدار الدينار بدلا عن الجنيه في العام 1992 ، لكن بعد توقيع إتفاق نيفاشا تم إلغاء الدينار ليعاد الجنيه للتداول إبتداء من 2007م . ليتم تاليا طرح نسخة جديدة من الجنيه بعد انفصال الجنوب في 2011م .
ويعتبر التغيير الحالي هو الأكثر أهمية إقتصاديا وسياسيا ، لأنه يأتي في ظلال الحرب التي تشنها مليشيا الدعم السريع وأفضت إلى أكبر عمليات نهب للأموال من الأفراد والشركات والبنوك بما فيها بنك السودان ، ما يمكن وصفها بأوسع عملية تخريب للإقتصاد السوداني منذ إستقلاله .
وتتجاوز عملية التغيير الحالي ، دوافع تحاشي التزوير ، رغم سريان إشاعات كثيرة بشأنه ، خصوصا بعد الحديث عن تسليم حكومة الدكتور عبد الله حمدوك ( كليشهات) العملة السودانية للإمارات ، في مشهد غارق في العمالة والتبذل السياسي والأخلاقي .
لتتولى دويلة الشر طباعتها من وراء عين الحكومة ؛ خصوصا من فئة ال 500 والألف جنيه ليتم بها إغراق البلاد بعملات استخدمت في تمويل عمليات عصابات الدعم السريع .
تحدث الناس كثيرا عن تأخر الحكومة عن إتخاذ قرار إلغاء العملة أو تغييرها ، ما أدى إلى سيطرة العدو على الإقتصاد والتجارة وإلى الإرتفاع الذاهل في أسعار الدولار ، وتهريبه إلى دول الجوار و( غسله) هناك في هيئة عقارات وذهب واستثمارات ضخمة تعود لمنتهبيها والمتعاونين معه .
و( هذا الملف يجب أن تتولى الحكومة متابعته بملاحقة اصحابه لاسترداد هذه الأموال بالطرق التي تعرفها ) ، يقابله تدهور غير منظور في قيمة الجنيه ، مما أفقد منتجاتنا تنافسيتها خارج الحدود .
ربما يكون لمتخذ القرار أسبابه ودوافعه في هذا الإبطاء الذي لا تخفى تبعاته المقلقة ، لكن يسود الناس إرتياح ما ، بسبب السيطرة المأمولة على السيولة التي لا يكاد يبين لها سقف ، بإعادتها إلى حضن المصارف ولجم السحب منها ، والذي نتمنى أن يتم ضبطه بما يحقق الغايات الوطنية غير المرئية منه .
ثمة ما يدعو للتنبه له جيدًا ، أمنيا وإقتصاديا وهو ضرورة أن تكون الحكومة قد تفادت حالات التبسط في تسييج العملة بأعلى قدر من الجودة في السلامة والمأمونية ، ولو أدى ذلك لرفع كلفة الطباعة و أن تكون إختارت أحدث أنواع ورق الطباعة وأطوله عمرا ، وأجود خيوط الأمان والعلامات المائية والألوان المقاومة للذوبان .
و نأمل أن تكون قد إلتزمت بالمعايير الدولية التي تضمن عدم تعرضها للتمزيق والإتساخ مع تحمل ظروف التداول المختلفة بكل ما فيها من عدم إكتراث و عدم توقير للعملة الوطنية .
كما نرجو أن تكون قد وفرت لها ما يعزز تأمينها بعلامات ورسوم متشابكة يستحيل تزويرها .
فإن لم تكن تلك التدابير قد تحققت الآن ، فيجب تداركها بأسرع وقت في باقي الفئات الأخرى قبل إصدارها .
وأجدر من هذا ؛ يجب إنشاء جهاز أمني خاص متخصص في حماية العملة الوطنية وسن قوانين بعقوبات مشددة تطال المهربين والمزورين بل وحتى الذين يتعمدون تشويهها وتمزيقها .
لقد تأذى السودان كثيرا من إغراقه بمليارات العملات المزيفة ، التي تتولى آثام تزويرها جهات أمنية معادية ، بهدف تركيعه سياسيا وإفقاره إقتصاديا ، وتقطيع أوصاله إجتماعيا ، وهذا هو عين ما نكابده اليوم بأوجع الصور والمشاهد !
وما دمنا نباشر بناء سودان ناهض سياسيا وإقتصاديا ، بعد القضاء على المليشيا الإرهابية وتوابعها وداعميها وحاضنتها التقزمية المأزومة وطنيا وسياسيا ، فإن تأمين العملة وصيانتها سياديًا، وإكسابها الإحترام اللائق معنويا ، هو أول مدارج العروج نحو وطن مستقل عصي على الإنتياش والغرق في مستنقعات المهانة السياسية والإقتصادية .
وليعلم الجميع أن ( تحرير) العملة الوطنية من أيدي المحاربين والمغتصبين لا يقل أثرًا ولا خطرا عن( تحرير) المدن والدولة بمجملها من المعتدين الآثمين.
ودمتم