مقالات الرأي
أخر الأخبار

الانتهازيه السياسية في السودان بين الماضي والحاضر مابين لوكانوس و عبدالله حمدوك ✍️ هشام محمود سليمان 

الانتهازية السياسية ظاهرة قديمة قدم المجتمعات البشرية وقد برزت عبر التاريخ في صور وأشكال متعددة حيث يسعى البعض لاستغلال الأوضاع السياسية لخدمة مصالحهم الشخصية دون اعتبار للمبادئ أو القيم العامة هؤلاء الأشخاص غالبا ما يتقنون فنون التملق والتزلف ويتقربون إلى مراكز السلطة بشتى الوسائل ليس بغرض تحقيق الصالح العام وإنما للإثراء الذاتي وتعظيم مكانتهم الخاصة

1 . مثال تاريخي:-

أ . في بلاط الحاكم الروماني نيرون ظهر العديد من الشخصيات الانتهازية التي سخرت مهاراتها في مدح الحاكم والتغني بعبقريته المزعومة مثل الشاعر لوكانوس الذي رغم موهبته انغمس في تمجيد نيرون مما أدى إلى تقربه من السلطة ولكنه انتهى بسقوط مدو عندما انقلبت الظروف هؤلاء كانوا يشبهون الطبالين الذين لا يجيدون إلا دق الطبول بأصوات تعلو وتخفت حسب إيقاع مصالحهم

ب . في عهد الحكم المهدوي (1885-1898) برزت شخصيات سياسية ودينية حاولت استغلال المد الثوري والاندفاع الشعبي لتحقيق مكاسب شخصية بعض القادة الذين انضموا إلى الثورة المهدية لم يكونوا مؤمنين حقا برسالتها أو مبادئها بل رأوا فيها فرصة للوصول إلى السلطة أو تحقيق نفوذ اجتماعي. بمجرد أن بدأ النظام المهدوي يواجه تحديات داخلية وخارجية انقلب بعضهم ضد الثورة نفسها وانحازوا للقوى التي أطاحت بها

2 . مثال حديث:-

في العصر الحديث يمكن استحضار ظاهرة السياسيين الذين يتنقلون بين التيارات المختلفة دون أي ثبات على مبدأ يتلونون وفقا للمواقف ويقفون مع كل تغيير سياسي بمجرد أن يروا في ذلك مصلحة شخصية هؤلاء يتقنون فن التلاعب بالشعارات الرنانة دون أن يضيفوا شيئا حقيقيا لمجتمعاتهم سوى تضخيم ذواتهم وسعيهم لاحتكار المنافع داخل دائرتهم الضيقه

من امثله ذلك :-

فترة الحكومة الانتقالية بعد بعد التغيير الكبير الذي حدث في السودان إثر الثورة الشعبية في ديسمبر 2018 والتي أطاحت بنظام عمر البشير شهدت البلاد فترة انتقالية مليئة بالتحديات في هذه الفترة ظهرت العديد من النماذج الانتهازية التي ركبت موجة التغيير لكنها لم تكن تؤمن بأهداف الثورة

مثال :-

1. السياسيون المتنقلون بين المواقف بعض الشخصيات السياسية التي كانت جزءا من النظام السابق حاولت إعادة تموضعها سريعا ضمن المشهد الجديد تحدثوا عن دعمهم للثورة وقيمها لكن أفعالهم فضحت نواياهم إذ سعوا للسيطرة على مواقع صنع القرار أو لتأمين مصالحهم الشخصية دون الالتفات لمطالب الشعب

2. التملق للقوى الدولية والإقليمية برزت مجموعات وأفراد استغلوا الدعم الدولي والإقليمي لتحقيق مكاسب شخصية كانوا يظهرون في كل اجتماع أو لقاء يعقد تحت مظلة دعم السودان لكن ما ينفذ على الأرض من سياسات وبرامج غالبا ما يخدم دائرة ضيقة من النخب ولا يعبر عن تطلعات الشعب

3. التسلق عبر الحركات الشبابية استغل بعض السياسيين الطموحات الشبابية وتطلعاتهم إذ انخرطوا في لجان المقاومة والفعاليات الثورية لكن مع الوقت تبين أن انخراطهم كان لركوب الموجة وكسب النفوذ هذه الشخصيات أضرت بحركة الشارع السوداني إذ نقلت الانقسامات السياسية والمصالح الشخصية إلى صفوف الحركات الثورية

إن إمبراطورية الأنا التي يعيش فيها هؤلاء الانتهازيون لا تتجاوز حدود مصالحهم الشخصية فهي خالية من الرؤية الحقيقية أو الالتزام بقضايا أوسع لقد كانوا وما زالوا أعداء أي تغيير حقيقي لأن التغيير يتطلب عملا جادا وتضحية وهو ما يتنافى مع نمط حياتهم القائم على الكسب السهل والدعاية الفارغة لذلك

تعتبر الانتهازية السياسيه  عائقا أمام تطور المجتمعات بل هي سرطان ينخر في جسدها حيث يضيع الجهد ويهدر الزمن لصالح أفراد لا يرون العالم إلا من نافذة مصالحهم الضيقة

الانتهازية السياسية ليست ظاهرة جديدة في السودان فقد مرت البلاد بمراحل عديدة ظهر خلالها أفراد وجماعات أجادوا فنون التملق والتزلف لتحقيق مصالحهم الشخصية حتى لو كان ذلك على حساب الوطن والمواطنين ومع كل تغيير سياسي كبير تظهر هذه الفئة التي تقفز بين المراحل والأنظمة كأنها تبحث عن موقع دائم يمكنها من استغلال التحولات لصالحها

الانتهازية السياسية ماببن تزلف الداخل وتزلف الخارج:-

الانتهازية السياسية في السودان اتخذت أشكالا متعددة بعضها يرتكز على التزلف والتملق للداخل بينما يتمثل النوع الأكثر خطورة في التزلف للقوى الخارجية ما يؤدي أحيانا إلى الوقوع في براثن العمالة والتبعية هذه الانتهازية سواء تجاه الداخل أو الخارج تعرقل مسيرة بناء الدولة الوطنية المستقلة وتفرغ القضايا الوطنية من مضمونها لصالح مصالح ضيقة أو أجندات أجنبية

النوع الأول:-

الانتهازية المتزلفة للداخل

تزلف الداخل يتمثل في سلوك الشخصيات السياسية التي تسعى للتقرب من مراكز السلطة والنفوذ داخل البلاد. هؤلاء يتقنون فن المديح والولاء العلني للقادة السياسيين أو العسكريين بغض النظر عن سياساتهم أو أفعالهم

مثال للانتهازيه في العهد القديم:-

في عهد الممالك السودانية القديمة مثل مملكة سنار (1504-1821) كان هناك شخصيات سياسية ودينية تتقرب من الحكام عبر تقديم الولاءات المتكررة دون تقديم حلول حقيقية للتحديات التي تواجه الدولة كانوا يُحاصرون السلطة بسيل من المدائح والألقاب الفارغة في محاولة لضمان مناصبهم أو تحقيق مكاسب خاصة

النوع الثاني:-

التزلف للخارج والوقوع في العمالة ويعتبر هذا النوع هو الاخطر لأنه لا يكتفي بالسعي لمكاسب داخلية بل يعرض سيادة الدولة واستقلالها للخطر هذا النوع من الانتهازية يتمثل في السعي لكسب دعم قوى إقليمية أو دولية مقابل تنفيذ أجنداتها في الداخل ما يؤدي إلى إضعاف الدولة وزيادة اعتمادها على الخارج

أ . نموزج من الماضي البعيد:-

في فترة الحكم التركي المصري (1821-1885) تعاون بعض السودانيين مع الإدارة التركية مقابل مناصب أو مكاسب اقتصادية هؤلاء سهلوا الاحتلال واستغلال موارد البلاد وأصبحوا وسطاء بين السلطة الاستعمارية والشعب مما أدى إلى تعميق الاستغلال

ب . نموزج من الحاضر القريب عبد الله حمدوك

عبد الله حمدوك رئيس الوزراء الانتقالي بعد ثورة ديسمبر يُعتبر مثالا معاصرا على النوع الثاني من الانتهازية بالرغم من أن حمدوك دخل المشهد كشخصية تكنوقراطية إلا أن اعتماده الكبير على الدعم الخارجي وضعه في موقع حساس حيث سعى حمدوك إلى الحصول على مساعدات من المجتمع الدولي عبر الانفتاح على قوى كبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي

لكنه في المقابل اضطر للالتزام بشروط قد لا تخدم المصالح الوطنية مثل برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي أقرته مؤسسات دولية كصندوق النقد الدولي أُثيرت انتقادات واسعة حول أنه كان يدير البلاد وفق رؤى دولية أكثر من كونه يعمل على تحقيق رؤية وطنية مما جعل البعض يتهمه بالتبعية أو العمالة

الأثر على السودان:-

تزلف الداخل أدى إلى تكرار نمط النخب الطفيلية التي تقتات على السلطة دون تقديم أي حلول تنموية حقيقية هذا أضعف ثقة المواطن في القيادات السياسية وزرع الانقسامات داخل المجتمع

تزلف الخارج جعل السودان عرضة للتدخلات الأجنبية وفرض الأجندات التي تضعف سيادته الوطنية في كل مرة يقترب فيها السودان من تحقيق استقلالية قراره يظهر هذا النوع من الانتهازيين ليعيد البلاد إلى دائرة التبعية

خلاصة :-

الانتهازية السياسية سواء من خلال تزلف الداخل أو الخارج شكلت عائقا كبيرا أمام تطور السودان هذه الممارسات ليست مجرد أخطاء فردية بل هي تعبير عن أزمة عميقة في الثقافة السياسية السودان لن يتمكن من بناء دولته الوطنية القوية إلا إذا تخلص من هذه العقليات التي تفرط في المصالح الوطنية لصالح مكاسب شخصية أو أجندات أجنبية

كسره:-

السيد والي ولاية القضارف احذر هولا فانهم اخطر عليك وعلي الولايه من اي مرض مزمن وداء عضال

هشام محمود سليمان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى


انضم الى لقناة (زول نت) تلقرام