للنفس في اللغة اكتر من معني من ضمنها انها تعني الروح او الدم او الجسد.. يقول ادريس جماع:
أنت إنسان بحق وأنا
بين قلبينا من الحب سنى
كل يوم صور عبر الطريق
تزحم النفس بها ثم تفيق
ليس ما هزك حسا عابرا
إنه في الصدر إحساس عميق
هو إنسانية قد وصلت
كل نفس بك في ربط وثيق
اذن هي النفس التي حار العلماء والشعراء في تعريفها وادراك كنهها.. لذا ليس غريبا ان تكون
من اكبر التحديات التي تواجه الفرد العادي في حياته هي محاولة فهم ذاته،فهي عملية معقدة اثارت فضول الباحثين علي مر العصور وكل يوم تتكشف الامور شيئا فشيئا فنعرف اكثر عن انفسنا التي بين جنبينا…اهي شئ من (وفي انفسكم افلا تبصرون)..ام شئ من قول الشاعر
اعلل النفس بالآمال ارقبها
مااضيق العيش لولا فسحة الامل
فساحت في الارض سليمة تبصر الدنيا بفرح وحبور..
ام هي شئ من قول الاخر
هي النفس ما الامال الافجائع عليها ولا اللذات الا مصائب
فاكتوت وعانت ومرضت وبحثت عن الشفاء..
اذن من المهم اولا ان نعرف ماهي الذات اوالهوية الذاتية او الهيكل الذاتي الذي يعرف (بصورة عامة) بمجموع الافكار والمعتقدات بخصوص النفس ،فحسب مايري سقراط في تعريفه للذات: انها خليط من قدرات الإنسان وملكاته الشخصية، وأنّها ترتبط بقدرته على التحليل وبناء المنطق، وان الذات هي الوعي والإدراك الحسي ،وحديثا وفي اطار محاولات فهم الذات والتي لازلت تتطور وتبحث في الذات ظهرت حديثا مدرسة علم نفس الذات (self psychology)،ولازلنا نسمع وسنسمع مستقبلا الكثير حول النفس وكيفية التعامل معها وايجاد الطرق والعلاجات التي تخفف من متاعبها…
من كل ماسبق يتبين لنا محاولات علماء النفس في ايجاد المفاهيم والقيم والاختبارات التي من شأنها ان تساعدنا في فهم بعض ما التبس علينا من مفاهيم خاطئة حول مايعترينا من مشكلات وفي تحسين نوعية حياتنا وتصوراتنا عن العالم والبيئة من حولنا لجعلنا نحيا حياة متوازنة علي الاقل ان لم تكن سعيدة.
فالامراض النفسية من اكثر الموضوعات التي ادت بالناس الي تبني تصورات غير حقيقية وغير واقعية حولها.ولاينجو مجتمع غنيا كان او فقيرا من الوقوع في تلك المفاهيم الخاطئة فمثلا حين يكون الفقر متفشيا في مجتمع ما يكون ذلك المجتمع عرضة اكثر من غيره لتبني تلك الافكار والاوهام عن ماهية المرض النفسي وكيفية علاجه. كذلك يساهم ذلك المجتمع لضعف تصوره ومحدودية افقه في نسج الافكار والتصورات حول طبيعة مايجهله وكما قيل الانسان عدو مايجهل، فتكون الخلاصة ربط المرض النفسي بالوصمة والذي بدوره يساهم في زيادة معاناة المرضي وتدهور حالاتهم… اذكر انه زارنا مريض في المستشفي الذي كنت اعمل به يعاني من فصام وكان مقيدا من رجليه مايقارب الثلاث سنوات يأكل ويشرب وينام في نفس المكان.. كنا عندما نسأله عن ابيه لايدري بم يجيب وعندما نسأله عن اخته يقول (دي بت الشيطان) هذا المريض بدأ يتماثل للشفاء في غضون اسبوعين من بدء العلاج،وتعرف علي ابيه وكذلك علي اخته. فلو كانت اسرته علي وعي وإدراك بأهمية وفعالية التطبيب النفسي لما اسلمته للعذاب يتجرع الالم ويعاني كل تلك المعاناة. كذلك لم يسلم الطب النفسي من وصمة العار وسط المجتمعات المثقفة وذات الوضع الاجتماعي الجيد اذ يتخوف بعضهم من ان يصاب احد افراد عائلاتهم بمرض نفسي كي لاتهتز صورتهم او وضعهم وسط مجتمعهم الذي يعيشون فيه.
اذن من الضروري نشر الوعي والثقافة عن الطب النفسي علي نطاق واسع وكان لزاما علي العاملين في مجال الصحة النفسية اكثر من غيرهم محاولة توضيح ما التبس علي الناس من مفاهيم خاطئة ومحاولة وضع الاسس والخطط التي تمكن كل فرد من افراد المجتمع ان يحيا حياة سوية وسليمة بمحاوره الثلاثة الجسد والنفس والروح وان كثرت التعريفات لهذه المحاور كما سبق، فمن قائل ان الجسد هو الجسم والنفس هي العقل والقلب اما الروح فعلمها عند الله وحده(يسألونك عن الروح قل الروح من امر ربي ومااوتيتم من العلم الاقليلا)..
مهما يكن من تعريفات يظل الثابت ان علي الانسان العناية بجسده ونفسه وروحه ..رغم الصعوبه احيانا في معرفة احتياج كل قسم علي حده لذلك تجدني معجبا بقول الطبيب النفسي:”اخيط جروحا لاترونها”،عبارة تحمل بين طياتها حس عميق وتعاطف ايجابي مع المريض واستعداد لتخليصه من الامه.. فالامراض النفسية تحتاج فعلا الي حس دقيق ومعلومات ادق وتفهم كامل لكل حاله حتي يتسني للطبيب ان يتمكن من التشخيص ووصف العلاج المناسب لتعود تلك النفس باذن الله الي سابق عهدها سليمة من كل ما لحق بها من كدر وبؤس.
اذن هي رحلة داخل ذواتنا رغم غموضها والامها احيانا الا انها تكون ممتعه وساحرة اذا عرفنا كيف نبدؤها لنكتشفهاوكيف نخلصها من ما علق بها من شوائب ومتاعب ثم نقرر متي نسعد بها وكيف.
د.قمرالانبياء عمارة