مقالات الرأي
أخر الأخبار

هيمنة الإعلام الغربي وزيف المقاصد ✍️ بروفيسور عوض إبراهيم عوض

لعلَّ المتتبع لحركة الاتصال في الأعوام الأخيرة يُلاحظُ شكل الهيمنة والسيطرة الغربية على معظم وسائل الاتصال العالمية التي فرضت نفسها من خلال شبكات الأقمار الاصطناعية وسفن الفضاء والمؤسسات الإعلامية المنتشرة في معظم العواصم الكبرى، لاسيما واشنطن، ولندن، وسيدني، وباريس، وبرلين. ووسط هذا الخضم الهائل من المعلومات والخدمات الإعلامية والدعائية غابت كثيرٌ من الحقائق أو غُيبت لأهداف ليست خافية على أحد. وتراجعت نظريات وأيديولوجيات فرضت نفسها لحين من الدهر كي تحل محلها قوالب معرفية جديدة طغت عليها صبغة الحداثة، وتلونت بمعطيات المرحلة الراهنة مثل حرية التعبير، وتلبية رغبات الجماهير، والنزوع إلى الديموقراطية، وحاجة السوق، وغيرها من إفرازات الليبرالية السياسية وفلسفة النظام الدولي الجديد. وسط هذا الخضم المتلاطم ارتفعت العديد من الأصوات في بلاد العالم الثالث تستغيث بأهلها، وتراثها العريق كي تحمي ناشئة الأجيال من تغول الحركة التغريبية التي طالت كثيراً من المرافق وعلى رأسها المؤسسات الإعلامية والتربوية التي عولنا عليها كثيراً لانتشالنا من وهدة الضبابية الكثيفة. هذه الضبابية التي لا يدري أحدٌ إلى أين تقود البشرية في القرن الحادي والعشرين وما يليه. وبدأ البعض يلتمسون الملاذ في الإرث القديم والمؤسسات الدينية وعلى رأسها المساجد وكتب التراث التي تمجد الماضي التليد لهذه الأمة بعد أن هرب أبناؤها من حاضرهم العنيد، عسى أن يكونَ في هذا الهروب القسري ما يُسهم في ردِّ الإحباط الذي أزكت شرارته هجمة الإعلام الغربي الشرسة التي ألقت بكاهلها على الأجيال الحاضرة. لقد تجاوزت هجمة الإعلام الغربي كل الخطوط الحمراء، وفتحت أبواباً ليست في حقيقتها إلا أبواب الجحيم. وما كان لها أن تُفتَح لو تمسك الناسُ بما لديهم من إرثٍ وقيمٍ وأخلاقٍ وهُوية. وظل الغرضُ الأساسي للدوائر الغربية هو طمس هوية الشعوب المستضعفة ومحو ما يعتملُ في فكرها بأي شكلٍ من الأشكال. وإذا تمكنوا من إزالة آثار تاريخها الفكري لفعلوا بلا هُوادة، خصوصاً وأنهم قد شككوا في مصداقية الأديان لا سيما الإسلام ونعتوه بكل أوصاف التخلف، والرجعية، وكبت النساء، وتكميم الحريات، خصوصاً عندما انبرت أصواتٌ أصولية ترفض زواج المثليين، والذي كان القشة التي قصمت ظهر البعير. ولم يكن هدف كل هذه الحملات تخليصنا من وهدة التخلف المزعوم بقدر ما هو الخوف من تسرب تعاليمنا إلى نفوس شبابهم الغربي المملوء حقداً على حضاراتنا الموروثة والغارق في براثن الشهوات والضياع الذي أفرزته الحضارة الغربية. ولما فشلت جهودهم في محو الإرث العقدي والرباط الروحي الأصيل من نفوسنا أصبح الهدف الأسمى الذي صاغته بيوت الخبرات الذكية والمسنودة بمؤسسات اللوبي الصهيوني، واللوبي المسيحي، وحركة الشباب السود، ومنظمة الكنائس العالمية هو تحييد فكرنا قدر المستطاع لتسهل عملية الهيمنة على عقولنا ويتيسر احتواؤنا في إطار المنظومة العالمية. ونشطت مبادرات التشكيك في علمية الفكر الديني وحاكميته ومقدرته على مواكبة التطور البشري. وكجزءٍ من هذه الحملة المسعورة والمدروسة بكل عناية وصف بعض الساسة الغربيين وأتباعهم جهود وإنجازات المسلمين التاريخية بالبربرية والجمود وعدم المواكبة. واتهموهم بأنهم لا يعرفون غير تغطية أجساد النساء والركون إلى تراث القرن الخامس الميلادي الذي عفا عليه الزمن وطوته آلة النسيان المقيتة. وعلى هذا النسق تطاولت العديد من الأقلام المسعورة تقدح في سماحة هذا الإرث التليد عندما تجنى البعض على المتحجبات في فرنسا وتركيا وبريطانيا لا لشيء إلا لأنهن آثرن الابتعاد عن الرذيلة، واتهموا سترهن بأنه لا يعدو أن يكون مظهراً للإسلام السياسي. وما انتبه هؤلاء الساخطون إلى أن سلوكهم هذا ضد حقوق الإنسان، وضد حرية المرأة، بل وضد الديموقراطية التي يتمشدقون بها ليلاً ونهاراً ستراً للزيف والرياء والنفاق الذي أصبح ديدنهم في أواخر الأيام. ولذلك نرفع الصوت عالياً بأن مُؤسساتُ الغرب السياسية ووسائل إعلامه المسعورة مطالبة بتأكيد مصداقيتها وعلميتها ونزاهتها في تقويم الأمور. وعليها ألا تكيل بمكيالين ما دامت تدعي توخي الحقيقة والعدالة والموضوعية. وعليها أن تسعى شأنها شأن قنوات التعليم والتثقيف الأخرى في بلاد العالم النزيهة إلى الدقة والعناية وصدق القول في تقويم الأمور إذاما أرادت أن تؤدي دورها المنشود بنزاهة وتحترم الشعارات التي ترفعها في وجوه الآخرين زيفاً ورياءاً دون وجه حق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!