مع غروب شمس كل يوم وشروق شمس يوم آخر جديد، تتناقص المسافة بين الشعب السوداني الذي يعيش أحلك أيامه منذ الاستقلال ورئيس الوزراء السابق “د عبد الله حمدوك”، وبالتالي تتناقص فرص العودة إلى الجلوس في ذلك الكرسي. وفي الوقت ذاته، وبشكل عكسي، يزداد الجنرالات اقتراباً من باب الوصول إلى القواعد الجماهيرية يوماً بعد آخر…
حرباً شعبوية وسياسية خاضها “حمدوك” ضد الجنرالات، ولكن حظي الجنرالات بالفوز في كسب المؤيدين، ولم يحظ حمدوك بشرف اعترافه بالهزيمة، ولم يستوعب حتى الآن أن قادة الجيش استحوذوا على الغنيمة كاملة، وأقاموا في مركز القرار بحسب نتائج استبيانات الرأي العام التلقائية…
جعل اللغو والصراخ السياسيين من عميل مكشوف ك “حمدوك”، بطلاً قومياً خلال السنوات العجاف الماضية، وسرعان ما سقطت عنه ورقة التوت الوطنية التي كان يتدثر بها، حتى أعلن عن نفسه سياسي بدرجة “مراسلة” لدى الإماراتيين، بعد ظهوره الأخير برفقة “عبد الواحد نور” و “عبد العزيز الحلو”، وهو يبتسم، لأنه نجح في حرمان شعب جبال النوبة من الغذاء والدواء بإفشاله الاتفاق الإنساني بين الحركة الشعبية وحكومة السودان، الموقع في جوبا مطلع هذا الأسبوع.
اجتهاد “حمدوك” ومن خلفه “الامارات” في إسقاط هذه الفرصة، ( اتفاق كباشي_الحلو)، يعني استمرار السودان في دفع ثمن باهظ من حيث التشرذم السياسي، والانهيار الاقتصادي، والصراع المستمر، و التشابك القاتل في الصراعات المحلية .
منذ اندلاع الحرب، وبسبب مباشر من حراك “حمدوك” الدولي المكثف، ثم وراثة النشاط الدبلوماسي لميليشيا الدعم السريع وهذا الدور، أبطل كل تعاطف دولي وإقليمي مع القضية السودانية وملايين المهجرين قسرياً و القتلى، وجرى تزوير الرؤية القطبية الغربية التي كانت تعمل في توقيت ما بشكل جدي على إنهاء الحرب في السودان بقراءات تعزز مطالب الشعب السوداني، ولكن اجتهد “حمدوك” في تأبيد العداء السوداني- السوداني ووضعه ضمن سياق لا علاقة له بمصالح الشعب السوداني العملية والمباشرة، كرفضه الاحتلال ونهب موارده والعبث بأمنه المجتمعي والقومي.
كانت الفرصة مواتية لأن يتطور اتفاق المساعدات الإنسانية الموقع في جوبا مدعوماً بضمانات دولية قوية، لأن يصبح اتفاقاً لتحقيق السلام والاستقرار الدائمين، وحده ما سيمكن منطقة جنوب كردفان خاصة والسودان عامة من استعادة إمكاناته وتأمين مستقبل أكثر إشراقاً لمواطنيه.
عاجلاً أم آجلاً ، سيذهب أهل جبال النوبة نحو مزيد من السلام، ولكن سيكونوا قد دفعوا كثيراًمن الأثمان الرهيبة قبل أن يلتحقوا بما كان متاحاً لهم الآن بتكاليف أقل، ولكن حمدوك و مشغليه قد قطعوا عليه الطريق.
محبتي واحترامي