تعتبر المدرسة السلوكية في الاقتصاد اليوم واحدة من أكثر المدارس الاقتصادية الحديثة تأثيراً في مجال الاقتصاد وصنع السياسات العامة، فهي تمزج بين علم النفس والاقتصاد لفهم سلوكيات الأفراد عند اتخاذ القرارات الاقتصادية وغيرها وذلك عن طريق إجراء التجارب السلوكية و العلمية أو ما يسمى بـ Randomized Control Trials وفهم نتائجها قبل تعميم وطرح اي سياسة عامة من قبل الحكومة، وبذلك يختلف الاقتصاد السلوكي عن الاقتصاد التقليدي والذي يفترض أن الافراد عقلانيين ويمكن التنبؤ بقراراتهم ، في حين توضح الدراسات السلوكية بأن الافراد في الأصل متسرعين و يقعون في العديد من التحيزات الإدراكية والعاطفية عند اتخاذهم القرارات وهذا ما يوقعهم في أخطاء عدة قد تضر بهم اقتصاديا، وقد اوضحت التجارب الدولية في الاقتصاد السلوكي في مجالات الصحة والمالية وغيرها إلى أن الافراد يميلون لاتخاذ الخيار التلقائي او الافتراضي Default Option دون الدخول في فهم تفاصيل الخيارات الأخرى.
ساعدت هذه المفاهيم في امكانية استغلال هذا الأمر إيجاباً لدفع الناس لقرارات تصب في صالحهم على المدى الطويل كما يمكن استخدام عدد من التغييرات الصغيرة لزيادة تفاعل الافراد مع السياسات والبرامج العامة في الأجل القصير.
أنشئت العديد من الوحدات الحكومية والخاصة لتولي مهمة تصميم السياسات العامة والتأثير بها بإستخدام مبادئ الاقتصاد السلوكي، ورصدت العديد من التقارير الدولية مثل تقرير منظمة الاقتصاد والتعاون والتنمية “OECD” والمفوضية الاوروبية تطوراً ملحوظاً في العديد من المجالات في استخدام السياسات السلوكية لتحسين حياة المواطنين.
بدأ الاهتمام بهذا التوجه بعد النتائج المبهرة التي تحققت بعد تبني الحكومة البريطانية لهذا المنهج حيث استطاعت الحكومة البريطانية من خلال تأسيس وحدة سلوكيات متخصصة Behavioral Insight Unit- Nudge Unit تعمل مع الجهات الحكومية للعمل على تعديلات على السياسات والبرامج العامة تأخذ بالاعتبار الأبعاد النفسية والاجتماعية وتحاول توظيفها بما يعزز خيارات المواطنين و يزيد رفاهيتهم، كما قام الرئيس الامريكي باراك أوباما في عام 2015 بتأسيس فريق من الخبراء السلوكيين والاجتماعيين لهذا الغرض وأصدر تعليمات بتبني هذا المنهج لجميع الاجهزة الحكومية، تبع التجربتين البريطانية والامريكية العديد من الدول حيث تأسس حتى الآن أكثر من 55 وحدة حول العالم للاستفادة من هذا العلم في تصميم السياسات والبرامج العامة.
ختاماً هذا النجاح الذي تحقق باستخدام الاقتصاد السلوكي في العديد من المجالات تدعمه أدلة تجريبية لايمكن اغفالها تبين أهمية استخدام هذا المدخل لتحقيق أهداف صانعي القرار في الحكومات حول العالم ….
واعتقد اننا في السودان اكثر حوجة من غير نا من الدول لتكوين وحدة للاقتصاد السلوكي خاصة بعد ان برزت تساؤلات كثير من السر والأسباب التي أدت الى توفير سيارات المواصلات … بعد ارتفاع سعر البنزين وكذلك عدم مواكبة التغيير في السلوك الاستهلاكي بعد ارتفاع أسعار الكهرباء والخبز والغاز … الخ .
البروفسيور: فكري كباشي الامين
٦ مايو ٢٠٢٤م