مقالات الرأي
أخر الأخبار

رمضان والصدقة – وقفات، وتدبرات رمضانية – اليوم الحادي عشر ✍️ عادل عسوم

ذكرت من قبل بأن الغاية من الصوم تهيئة النفس للتقوى، والمتقون من صفات التصدق والإنفاق في السراء والضراء:

قال جل في علاه:

{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} آل عمران 133، 134

يلحظ المسلم علاقة خاصة بين الصيام والصدقة، وقد أوجب الله في خواتيم شهر رمضان زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يرون بأن الجمع بين الصوم والصدقة من موجبات الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة غرفا، يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها؛ أعدها الله لمن ألان الكلام، وأطعم الطعام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام).

وأورد الترمزي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين سُئل أي الصدقة أفضل، قال صدقة في رمضان.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق في رمضان ما لا ينفق في غيره، قال ابن عباس رضي الله عنه: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، ويكون رسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة.

والتصدق نوعان:

الأول، صدقة الاحتساب:

يدل عليها الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة، وما أطعمت نفسك فهو لك صدقة).

والثاني، صدقة البذل:

ويدل عليها ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول). والمعنى: أي ما بقيت لك بعد إخراجها كفاية لك ولعيالك واستغناء، كقوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} البقرة 219

وقال صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة جهد المقل، وابدأ بمن تعول).

وقال صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة، الصدقة على ذي الرحم الكاشح)

والكاشح هو العَدُوُّ الذي يُضْمِر عَداوَته ويَطْوي. يعني: أفضل الصدقة على ذي الرحم المضمر للعداوة في باطنه، فالصدقة عليه أفضل منها على ذي الرحم الغير كاشح، لما فيه من قهر النفس للإذعان لمعاديها، وعلى ذي الرحم المصافي أفضل أجراً منها على الأجنبي لأنه أولى الناس بالمعروف.

بالله عليكم انظروا كم لهذه اللفتة من الإسلام من أثر إيجابي لتقريب قلوب الناس في المجتمع المسلم!!!

وقال صلى الله عليه وسلم: (الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان: صدقة، وصلة الرحم).

وهنا أود التنبيه لأمر مهم، تجد البعض منا شحيح مع اهله وارحامه، بينما يكثر البذل والعطاء والتصدق للغير، ذاك لعمري من الشيطان، إنه لعنه الله يحرص على الولوج من باب الصدقة والبذل قارنا ذلك بالرياء والسمعة كي يفوت على بعض أصحاب المال أجر الصدقة العظيم عندما تكون في مظانها، والمنفق هنا يرتكب إثمان، إثم لتجاوزه الأقربين بالمعروف، وإثم آخر قوامه الرياء والعجب بالنفس نتاج تمجيد الناس له وذاك مبتغاه.

ولأن كان الصيام في ذاته مداويا للأمراض ومعززا لصحة الجسد؛ فإن الصدقة من أعظم أسباب التداوي من مختلف الأسقام، ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (داووا مرضاكم بالصدقة)،

قال ابن القيم رحمه الله:

“وللصدقة تأثير عجيب في دفع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجر، أو ظالم، بل من كافر، وهذا أمر معلوم عند الناس، وأهل الأرض مُقِرُّون بذلك”.

والصدقة ليست بالضرورة ان تكون مادية، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل سُلَامَى من الناس عليه صدقةٌ كل يومٍ تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقةٌ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقةٌ، والكلمة الطيبة صدقةٌ، وبكل خطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقةٌ، وتميط الأذى عن الطريق صدقةٌ) رواه البخاري ومسلم

لقد وصل الحال بأهلنا في السودان مانعلمه جميعا، ونعمة المال عارية لم نُعطاها تشريفا، بل امتحانا وابتلاء، وقد اتانا شهر يضاعف الله فيه الأجر والمثوبة على الطاعة والصدقة والنفقة والاطعام، وهناك العديد من صور الصدقة يمكننا فعلها بكل يسر، من ذلك الذهاب إلى (دكاكين) الحي والبحث عن دفاتر الدَّين و(الجرورة)، فهناك العديد من الأسر التي تعجز عن السداد، والمبالغ قد تعد زهيدة بالنسبة لمن ينعم الله عليه بالمال، فليبدأ المرء منا بأسماء الأقرباء والجيران، وإن استطاع يوسع الأمر وسدد للغير،

هذا مثال من الأمثلة، وهناك العديد من صور التصدق والبذل والعطاء مما يفيد الناس.

وأذكر بالخير جدي محمد الحسن حاجنور رحمه الله، كان يرد على الذين يسألونه الدعاء لهم فيقول مامعناه أدعُ الله وانت صائم، وإن قرنت صيامك بصدقة؛ فإن إجابة الله حاضرة لدعائك ان شاء الله.

اللهم اجعلنا من صوامه وقوامه ومن عتقائه من النار، ومن أهل البر والصدقات، وأبرم اللهم للسودان أمر رشد تعز به أهل الطاعة وتذل به أهل المعصية، واحفظ المسلمين في برك وبحرك، وكن للمستضعفين وأهل الحاجة والبلاء والاسقام، واغفر اللهم لأمواتنا وارحمهم، انك ياربي ولي ذلك والقادر عليه.

[email protected]

ياسر كمال

مدير عام شبكة زول نت العالمية ومدير عام منظومة كونا التقنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى


انضم الى لقناة (زول نت) تلقرام