في مستودعات حسين خوجلي 50 ألف حكاية وصورة وذكرى – هذي رؤاي – ✍️ عبد العزيز عبد الوهاب
على مدى ساعتين صافيتين ،استضافنا النابه المفوٌه الأستاذ حسين خوجلي في مجلسه الوريف الأنيق . ساعتان كنٌ مشمولات باللطافة والدماثة والحكي الطاعم .
واللقاء مع حسين ، الذي حضرته زوجتي إشراقة الفاتح وكريمتنا جوى ، والجلوس إليه ليس كأي جلوس أو لقاء، فحسين ومن دون إغراء أو إطراء هو حالة سودانية شديدة التألق والتأنق ، كثيفة البراعة والنجاعة .
هو رجال في رجل ،صحافيون في صحفي ، شعراء في شاعر ، مثقفون في مثقف ، وإن شئت فلتسمٌه بما تشاء ومن الزاوية التي تراه ،فيما القوس لا تزال مفتوحة .
وحسين الكاتب والمحاور الفطن ، يعدٌ صاحب أكبر خزانة معرفية خاصة ، تحوي مكنوزات عزيزة من الصور والذكريات والحكايات السودانية النادرة . والتي قدرها بنحو 50 ألف صورة وحكاية عمرها يزاحم القرن إلا قليلا .
تمت سرقتها وإتلافها عنوة ، كما يتم إتلاف كبابي القزاز في بيوت ( الفلول والكيزان) بأيدي تتار القرن الذين قصدوا مكتبته المنزلية ومكتبة قناة أمدرمان ، فأتوا عليهما من دون ضمير ولا بصير ينصحهم بأن ما يخربونه قد يكون خير زاد لهم يعينهم على تأسيس ممكلتهم التي يرغبون .
ولقدرٍ ما وحكمة ما فقد حكى الرجل أن جهة ما عرضت عليه قبل الحرب مبلغ 12 مليون دولار لشراء القناة كاملة ، وأن يستمر في تقديم برنامجه الأسبوعي لصالح المالك الجديد .
لم يتم الإتفاق لأن حسين رفض التنازل عن أرشيفه الضخم ، وقال لمفاوضيه لو وضعتم المبلغ بيميني وأضعافه بشمالي ما بعتكم حكايات أفذاذ وروايات علماء و تاريخ بلاد احتضنتهم وصنعتهم وقدمتهم للدنيا الواسعة .
ففي أرشيفي والحديث لحسين الذي حبس دمعات سخينات ، تسجيل نادر للفنان الكابلي تم في الخمسينيات ، وحوارات مع صلاح الشاعر وبازرعة وهاشم صديق وحمد ووردي الذي حكى أنه كان حفيًا ببعض أعماله منها المرسال وأغالب نفسي بي حبك وأمنٌيها ، ويا شعبا لهبك ثوريتك التي قال إنه كان يغنيها في حفلات الأعراس ، وأنه لم يعط بعض الأغنيات إهتمامها اللائق بها كأغنية يا نسمة لمبارك بشير.
وحوار باذخ مع أبو آمنة حامد الملحق الإعلامي الكارب ، ضابط الشرطة الحاسم والشاعر الحالم بحكومة تلغي منصب وزير الداخلية لتعيٌن بدلا عنه وزيرًا للحب والشعر والإنسانية .
حدثنا الرجل ؛ الذي يعتز بعلاقات صداقة وسيمة مع رموز الطيف الفكري والسياسي من أقصاه إلى أقصاه، شيئا يبرٌه به و يجمع عليه حتى ألدٌ مناوئيه ؛ عن مراحل تعليمه فقال إنه أُنتخب رئيسا لإتحاد الثانويات لكن تم رفده عند وصوله الصف الثاني الثانوي ومُنع من مواصلة تعليمه في المدارس كافة.
ليغادر المدرسة إلى السوق تاجرا للقماش رفقة والده ، و هناك بدأ يثقف نفسه ويراكم ثروته حيث إمتلك سيارة لأول مرة ، لكن صديقا له أغراه بالعودة للمدرسة قبل شهرين فقط من إمتحان الشهادة السودانية التي نجح فيها وقبل بكلية القانون جامعة الخرطوم.
لكنه تحول منها بسبب عمله التجاري ، إلى قسم الفلسفة جامعة القاهرة الفرع بنصيحة وإغراء من صديقه الشاعر التجاني سعيد .
لم ينس الرجل اللحظة التي اشتعل فيها أسفا لما رأى الدكتور عبد الله حمدوك ؛ المُنتدب لإنقاذ إقتصاد السودان المنهار ؛ وهو يغادر كرسيه لصالح حميدتي الذي لم يتلق تعليما، ليكون رئيسا للجنة الإقتصادية .
ثم حدثنا عن تجاربه المثيرة في ألوان بتقلباتها وحروبها الطاحنة ضد الحكومات حيث صودرت وتوقفت أكثر من مرة ، وكيف أن الصحفية إشراقة النور قادته مرات إلى المحاكم بسبب مرافعاتها الخشنة ضد بعض الوزراء ، وقال إن ( أقلام دلال) التي كانت تكتبها إشراقة الفاتح كانت من أجمل وأذكى أسماء الزوايا الصحفية .
ودٌعنا الرجل بذات الوسامة والطلاقة ، وقد وعد قراء ( هذي رؤاي) بحوار صريح ، قال إنه سيجبٌ ما قبله ، يجيب فيه على أسئلة لا نسأل عنها أحدًا بعده أبدا ، مثل الفارق بين حرب الدكاترة جون ولام ورياك والحرب التي يقودها جلحة وبلحة و(شلحة) ، وعن (الحسنة) التي قد تختبيء في صدر حمدوك ، الذين لم نستطع لها صبرا ، وعن رسالته للعرب في جامعتهم وللأفارقة في اتحادهم ؟
فترقبوا …
ودمتم