حين يُكتب التاريخ بأقلامٍ من دماء الأبطال وتُسطر صفحاته بأنامل شعبٍ عظيم لا يقبل الذل، فإن السودان يُثبت مرة أخرى أنه وطنٌ عصيٌ على الانكسار. منذ اندلاع هذه الحرب التي حاولت أن تلتهم ما بقي من أحلامنا، وقف السودان شامخًا كعادته، بقيادته وبشعبه وبجيشه الأبيض الذي ما توانى عن تقديم كل غالٍ ونفيسٍ في سبيل حماية الأرض وصون الكرامة.
قوات شعبنا المسلحة، التي تنحني لها الهامات إجلالًا وتقديرًا، أصبحت رمزًا حيًا للشجاعة والتضحية. هؤلاء الأبطال، الذين اختاروا أن تكون حياتهم فداءً للوطن، لم يقاتلوا فقط بالأسلحة، بل بروحٍ ملؤها الإيمان، وعزيمةٍ لا تُقهر، وقناعةٍ بأن هذا الوطن يستحق الحياة. كان تحرير مدينة ود مدني مشهدًا من مشاهد البطولة التي ستُخلد في ذاكرة هذا الوطن للأبد. لم يكن تحريرها مجرد انتصار عسكري، بل كان استعادةً للكرامة المهدورة، ورسالةً للعالم أجمع بأن السودان يقف شامخًا كالجبل، مهما حاولت الرياح أن تطيح به.
لكن النصر في هذه المعركة لم يكن حكرًا على قواتنا المسلحة وحدها. لقد وقف خلف هذا الجيش شعبٌ بأكمله، شعبٌ أدرك أن المعركة ليست معركة جيشٍ فقط، بل هي معركة وطنٍ بأسره. رجالٌ ونساءٌ، كبارٌ وصغارٌ، أغنياءٌ وفقراءٌ، كلهم كانوا جنودًا في هذه المعركة. في الأسواق، في المنازل، في المدارس، في المساجد، كانت هناك معركة موازية تُخاض بكل حبٍ ووطنية.
الأمهات، وهن يودعن أبناءهن بالدعاء وأعينهن تفيض بالدموع، الشيوخ الذين رفعوا أكفهم إلى السماء طلبًا للنصر، الشباب الذين ضحوا بأحلامهم ليحملوا السلاح دفاعًا عن الأرض، والفتيات اللاتي وقفن في الصفوف الخلفية يُجهزن الزاد والدواء للجنود، كلهم كانوا شركاء في هذا النصر.
مدني اليوم ليست مجرد مدينة، بل هي رمزٌ للصمود، عنوانٌ للعزة السودانية. في شوارعها، بين بيوتها، وفي قلوب أهلها، ينبض الأمل بمستقبلٍ مشرق. تحريرها لم يكن فقط تحريرًا للأرض، بل كان تحريرًا للروح السودانية من قيود الألم واليأس.
لقد عادت الكرامة إلى السودان، وعاد الأمل في وطنٍ يتوحد تحت راية واحدة، وطنٍ لا يعرف فيه أبناؤه سوى العزة والحرية. وبينما تواصل قواتنا المسلحة تقدمها، نرى في عيون كل سودانيٍ شعلة النصر تضيء الطريق.
النصر ليس بعيدًا، بل هو قاب قوسين أو أدنى. ومن يملك هذا الشعب، وهذه القوات المسلحة، وهذه الإرادة التي لا تنكسر، لا يمكن أن يعرف الهزيمة يومًا. السودان الذي قاتل في الماضي وخرج منتصرًا، هو نفسه السودان الذي يخطو اليوم بثقة نحو فجرٍ جديد.
قواتنا المسلحة ليست وحدها من يُقاتل، بل وطنٌ بأسره يُقاوم. والسودان، بجيشه وشعبه، يُؤكد للعالم أن الكرامة لا تُشترى، وأن الحرية تُولد دائمًا من رحم التضحيات. النصر قادمٌ لا محالة، لأننا شعبٌ لا يعرف المستحيل.