لعل أهم قضية تشغل بال وعقول الملايين من السودانيين هي الدعوة للإصلاح وأري عدمها أحد أسباب تعثرنا ونكساتنا وأزماتنا طوال الحقبة الماضية منذ فجر الإستقلال فقد رفع رواد النهضة الأوائل وأجيالا بعدهم من المفكرين والكتاب ورجال الدين راية الإصلاح دون أن يحققوا الكثير من شعاراتها
وأبدأ مقالي بسؤال هل دعوة الإصلاح الوطني يمكن أن تواجه التحديات ؟ أقول نعم في ظل مانعيشه وسط أمواج متلاطمة تقذف بنا هنا وهناك ولم نستطع بعد الوصول لبر الأمان بسبب إفتقادنا لقارب النجاة الذي كلما اقتربنا من الإمساك به أتته موجة فأبعدته عنا ونحن نضيع الفرصة بعد الأخري بسبب ممارسة أساليب الإقصاء والتهميش والإلغاء والمصادرة
وبحكم إهتمامي ودراستي الجامعية للإقتصاد فلئن حاكم بيير بورديو أشهر عالم إجتماع أوروبي في الربع الأخير من القرن العشرين عالم الرأسمالية والليبرالية الجديدة واقتصاد الخصخصة ووثن إقتصاد السوق عبر كتابه بؤس العالم ونحن نحتفل بأعياد الإستقلال المجيد ليكون إستقلالا حقيقيا بداية من عامنا الحالي لابد من تقديم الأدوات اللازمة لإدراك ضروريات الناس والكشف عن أسباب علاتهم والظروف الإجتماعية والأشياء التي أوصلتهم إلي وضعيتهم ومآزقهم وتبني سوسولوجيا تحريرية نقدية عبر دراسة لظلم المجتمع والساسة وكشف تزييف الوعي الذي تقوم به المؤسسات الجماهيرية والأحزاب الشيطانية والهتيفة حتي نعيد عجلة الإنتاج ورأس المال الثقافي والموروث القيمي لشعبنا الفريد عبر روح العمل المشترك لوطن يسع الجميع
والمتأمل في خريطة المشهد السوداني الجديد يكتشف بوضوح تواتر التجارب وتسلسلها الذي نتج عنه تراكما بصريا مهما في زمن قياسي يسمح بالحديث عن تيارات وانعطافات تجعل الممارسة السياسية جديرة أن تحمل إسم (المدرسة الوطنية الجديدة ) مع ماتقتضيه هذه المدرسة من خصوصية وتميز خلاف الممارسة السياسية السابقة ولابد أن ننعش هذا المشهد الجديد بحركة توازي حجمه وتخلق الحدث الثقافي والسياسي والأمني بعده ويد المنون قد سطرت سير الشهداء بأحرف من نور تقبل الله شهادتهم وأكرم وفادتهم وألحقنا بهم غير مبدلين وجسدت الإلتفاف الحقيقي للشعب السوداني حول جيشه ومقاسمته الخنادق هاهي تشكل إحتفالية للألوان تواصلا بين الأجيال في إحتفالات بدأناها قبل عدة أيام وتتواصل في كافة ربوع بلادنا الحبيبة وخارجها
ونحن نرسخ قيم التسامح وثقافة الحوار ونعلم أطفالنا معني الإستقلال وماهو عن طريق البيان بالعمل بالتلاحم الجماهيري المباشر بين الشعب وقواته المسلحة وكانت تضحيات أبنائها والمشاركة في حرب الحلفاء السبب الرئيس لنيل الإستقلال واستحضار ذكري من رحلوا وظلت بصماتهم شاهدة علي وجودهم اليوم بيننا
الناظر عبدالرحمن دبكة والحبيب جمعة سهل والسريرة مصممة العلم والأزهري وغيرهم من صناع الإستقلال
سقط نظام الإنقاذ وبدأت التغييرات والتعديلات في القوانين والمناصب والوجوه وتسنم سدة الحكم أناس كنا نظن أن لديهم خارطة طريق للديمقراطية عندهم والشوري بالنسبة لفهمنا حتي رأينا قطارهم أوصلنا إلي ديكتاتورية غير مشروعة و(حكم أب تكو )دون تفويض أو وجه حق
وحدثت الحرب المفروضة علينا
والتي بدأت حولنا حكايتها بسيطة بعد مؤامرات دنيئة حيكت خلف الكواليس في الغرف الظلمة ظلم قلوب من كانوا داخلها من شياطين الإنس الذين تحاوروا بلغة خفية وخرج أشرارهم من البالوعات والمياه الآسنة فاختلطت الأدوار وعمت الفوضي كل السودان ثم مالبث أن تحول المكان حولنا إلي مسرح أحداث مثيرة لأطفال يتخفون في فتحات الأثاث وتحت الأسرة فتصدت لهم القوات المسلحة والنظامية الأخري والمساندة والمجاهدون كحق مشروع للدفاع عن إنسان السودان الذي كان يراد له تغييرا ديمغرافيا واستبداله بشعب آخر فعمل المجاهدون بجانب القوات المسلحة إنصياعا لتوجيهاتها وعملا تحت إمرتها لتخليص المجتمع من الإستبداد ومصادرة الحريات ونشر قيم الحق والعدل فكانت جموع الشهداء التي سبقتنا إلي الجنات زمرا ولاتزال في المسبحة لآلي كثيرة تنتظر السقوط تاركة مكانها فراغا لايملؤه سوي شعاع النور الذي عكسته علي الدنيا قولا وفعلا إذ لم يكونوا حالمين بالمستحيل أو غارقين في بحر أوهام التغيير بالمصادقة لكنهم كانوا مدركين أن الدرب تعتريه صعوبات كثيرة وأن الأمر يحتاج إلي جهاد وصبر وإعداد وقدرة هائلة علي المقاومة وهاهي وقد اختلطت الأوراق وتغيرت النهايات التي كنا علي يقين منها وصارت أم قرون الأميرة الجميلة رهينة حظها التعس العاثر فلم يعد فارس أحلامها يحميها من مخاطر المجهول أو يخطط لها ويمنيها بنيل المستحيل من مال وذهب حرام ولا أمير يصارع أسود القوات المسلحة والنظامية الأخري والمساندة والمجاهدين فقد تم ويتم (الجغم )بنجاح تام علي مدار الساعة وأراها كرهت صورتها الجديدة الكئيبة وهي تندب حظها ولم تعد تدري ما حولها وتحولت ذاكرتها إلي صفحة ممحاة ولم يعد لها سوي نظرات حائرة وكلمات مختصرة في منازل المواطنين التي أمتلكتها حسب زعمها الأول بقوة السلاح فلا حالة فضية الآن ولا أجنحة نورانية ولم يعد البحث عن (سلطة للساق ولا مال للخناق) متاحا بعد فقط تفتقد البعل
نتطلع ونحن نستنشق عبير الإستقلال إلي ميلاد منظومة إدراك وحلم بالوعي وإتصالات جماهيرية وتعاضد وتكافل مجتمعي نتفاعل معه جميعا لنجعل من الإستقلال ميلادا جديدا لوطن آمن مستقر إصطفافا خلف القوات المسلحة ورتقا للنسيج الإجتماعي ونبذا للجهوية والقبلية والعنصرية وليكن شعارنا وطن يسع الجميع تحت مظلة (الله الوطن القوات المسلحة)
#وكلنا جيش
وعزيز أنت يا وطني برغم قساوة المحن