كُتب هذا المقال في الذكرى الأولى لثورة “ديسمبر – ابريل” 11 /4/ 2020 وقتئذ بدت مظاهر انحرافها وتبدت نوايا سرقتها.
عرف السودان عبر الدهور والازمان بالانتفاضات والثورات الشعبية التي اسقطت العديد من الحكومات والانظمة الشمولية حيث تميزت كل انتفاضة عن الاخرى بالظروف التي ساهمت في انتاجها، والدواعي التي ادت لإندلاعها، ولكن تتفق جميعها في سعيها الى لبسط الحرية، وتحقيق قدر من الرفاهية، والاحتكام الى التداول السلمي للسلطة عبر الديمراطية وتعزيز الحكم الراشد.
تعد ثورة “ديسمبر – ابريل 2018-2019” من الثورات السودانية العظيمة، بل تفردت على رصيفاتها من الثورات السودانية بالعديد من الصفات والسمات التي أدهشت المراقبين على المستويين المحلي والعالمي. بدأت الثورة متعثرة في الشعارات الهتافية حيث سيطر شعار “تسقط بس” على جزء كبير من مسارها، مما عكس بجلاء حالة الاستياء التي وصل إليها الثوار من الوضع القائم، ثم بدأت الثورة في التقدم رويدا رويدا من حيث التنظيم والتسيق والترتيب الأمر الذي ساهم في إقناع قطاعات كبيرة من المجتمع للانضمام الى صفوفها مما ساهم في إستحداث آليات جديدة للمناهضة و وسائل حديثة للمقاومة ولغة جاذبة للشعارات الهتافية تعبر عن أهداف الثورة، وفي هذا الخضم تفتقت ذهنية الثوار فجادت بعدد كثيف من الشعارات التي تعكس هموم المواطن، إلا أن أبرزها واميزها على الاطلاق شعار “حرية – سلام – عدالة” الذى حوى اعظم المعاني، وعبر عن أسمى المبادئ الانسانية السامية. فالحرية هي جوهر حياة الانسان، فبالحرية يكون الانسان قادرا على اتخاذ كافة قراراته بكامل إرادته دون تدخل سواء كان بالاكراه أو الجبر، كما تشجع الحرية على الابداع والابتكار، وتمكن الفرد من ممارسة النقد الإيجابي لتصحيح مسار و سلوك المسؤولين الذين يحتاجون باستمرار إلى من يقدّم لهم النصح والنّقد الإيجابي من أجل تصحح المسار وتصويب القرار، ولا يستطيع الفرد أن يمارس مثل هذا النّقد إلا في وجود الحرية وقد كان الخلفاء الراشدون مثالا في تقبل النقد وإعطاء النّاس هامش كبير من الحرية، وما زالت العبارة الشّهيرة التي اطلقها سيدنا ابوبكر الصديق خالدة “فإذا اعوججتُ فقوّموني”. يتسع مفهوم الحرية للعديد من أنواع الحريات مثل حرية الصحافة والأعلام وحرية التعبير ويشترط في كل انواع هذه الحريات أن لا تتعدى على حريات الأخرين بحيث تنتهي حريتك عند حرية الآخر، وحرية الافراد لا تتعدى على حرية المجتمع، فالحرية للجميع دون تطفيف او نقصان فالحرية لك ولغيرك بذات المقدار ونفس المكيال دون إخلال أو إختلال. فوجود حرية لكل شخص لا يتعداها أحد، يساعد في وجود تناغم بين أفراد المجتمع ويحد من الظلم في المجتمع.
أما السلام الذي جاء في الشعار ايضا، فهو حالة من السكون والهدوء التي تنشأ بين الشعوب المختلفة، بمختلف دياناتهم واعراقهم وإثنياتهم، والسلام مفهوم مضاد للحرب وللصراع، وهو يحقق الأمان الاجتماعي بحيث تعيش الشعوب في حالة من السكينة والاطمئنان على أرواحهم وأولادهم وأموالهم وعباداتهم، حتى الاقليات سواء كانت دينية او إثنية يوفر لها السلام تلك الطمأنينة.
أما العدالة فهي مفهوم واسع تُنادي به الشعوب وتتطلع إليه المجتمعات لأهميتها في خلق نوع من المساواة بين مختلف أبناء الشعب الواحد، وتحقيق التوازن بين أفراد المجتمع من حيث الحقوق والواجبات. فالعدالة هي المساواة بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الدين، وهي العدالة في ممارسة العمل السياسي بحيث يكفل للكل دون تمييز وهي العدالة في التقاضي وإجراء المحاكمات العادلة والمتوازنة مع الجرم المرتكب دون انتقام او إنتصار للأهواء. إن إنتصاب ميزان العدل وإنتهاض العدالة سيؤدي لإزدهار المجتمع وتقدمه، ووقتئذ سيعمل كل فرد ويجتهد من أجل الوصول لأهدافه بالطرق المشرعة والقانونية، أما اذا انتابه إحساس بأن حقوقه مغتصبة ومنتزعة فإما أن يتكاسل ويتراخى في واجباته الوطنية، أو يلجأ للطرق غير القانونية لتحقيق ما يطمح إليه. اعتماد الحكومات في فرض هيبتها على على قانون الغاب وممارسة الظلم، سيؤدي الى نشر الحقد والكره وتقلقله بين ثنايا المجتمع مما يصيبه بالضعف عندها ستكون الدولة أكثر عرضة للخراب والتمزق، وسيلجأ المستضعفين والمضيق عليهم الى دفع الظلم بما يتوفر لهم من خيارات بما في ذلك الاستقواء بالخارح.
كان لشعار “حرية – سلام – عدالة” فعل السحر في إلهاب الثورة لقدسية حياء والاسواق إلا أنه تنامى حتى بلغ عنفوانه في يوم 4/6 /2019 وهو اليوم الذي استطاع فيه الثوار الوصول لمحيط القيادة العامة حيث بههععهدأ التلاحم الحقيقي للشعب بمختلف مكوناته، ه هع من الثورة هي بداية الاعتصام أمام القيادة العامة حيث إتحد فيها الهدف وتوحدت فيها الارادة، تجلت فيه مظاهر التلاحم والتماسك والتعاضد بالرغم من ظهور كثير من المظاهر السالبة التي كانت حاضرة إلا أنه كان مساحة لإبراز وتعزيز القيم السودانية السمحة من تكافل وتعاضد وإيثار إنتشرت بين المعتصمين، كما مثل سوق كبير لعرض البضاعة الفكرية والسياسية، شكل ميدان الاعتصام أيضا محرابا ومزارا تؤمه الاسر في الامسيات وتتدافع اليه المجموعات من كل حدب وصوب.
توقع الجميع بعد البيان الذي اصدره الجيش في نهار الخميس 11/ 4 2019 أن ينتهي الأمر بتشكيل مجلس عسكري وحكومة من وزراء مستقلين مدنيين تقود المرحلة الانتقالية وتهيئ البيئة لانتخابات حرة ونزيهة وهو ما كان يحدث في الثورات والانتفاضات السابقة، إلا أن ذلك لم يحدث بسبب الجدل والتنازع الذي نشب بين قوى الثورة من المدنيين من جهة، والعسكريين من جهة أخرى، وبعد مخاض عسير، وتفاوض متطاول، انتج اتفاقا للحكم بنموذج مختلف عن النماذج التي اعقبت الانتفاضات السابقة ضم مكونين عسكري وآخر مدني يمثل قوى الحرية والتغيير اتفقا على ادارة البلاد اتسمت العلاقة بينهما بالشد والجذر، والتشكيك والتخوين، والاتهام المتبادل، مما اثر على أداء حكومة التي خرجت من رحم ثورة متفردة وبالرغم من ذلك تعثرت في تحقيق آمال وطموح الشعب والثوار لاسباب عديدة منها:
👈 فشل حكومة الثورة في إنزال شعارها العظيم “حرية – سلام – عدالة” الى واقع الناس، أو التنصل والتخلي من الالتزام بالمفاهيم التي اشتمل عليها الشعار، أو الاجتزاء لتطبيق وتعطيل المتبقي، أو الافراط في ممارسة بعض مبادئه والتفريط في البعض الاخر، اذا ما استدعينا واستصحبنا المعاني السامية لمكونات هذا الشعار التي ذكرت آنفا 👆.
👈 الاختلاف على المرجعية الدستورية:
صاحب اعداد الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية كثير من الجدل بسبب تعدد مسودات الوثيقة الدستورية حيث توجود ثلاثة وثائق دستورية كل واحدة تختلف عن الاخرى، بالرغم من ان المجلسين السيادي والوزراء قد حسما أمر التعدد باعتمدهما لوثيقة واحدة في اجتماع مشترك تحكم الفترة الانتقالية، الا انها ظلت عرضة للخرق الجسيم والتجاوز المعيب وعدم الالتزام لدرجة اصبحت معها الوثيقة في عداد الموات.
👈 غياب الرؤية الجامعة والشاملة لما بعد سقوط النطام:
كان الجهد مركزا على سقوط النظام السابق كيفما اتفق، دون التفكير فيما بعد السقوط من قضايا سياسية وأزمات اقتصادية، مما اثر على مجريات الاحداث بعد نجاح الثورة وخلق العديد من التعقيدات الخاصة بإدارة الفترة الانتقالية أدت لخلق حالة من الفراغ الدستوري تصدى لها الجيش، كذلك أدى غياب الرؤية لتأخير تشكيل الحكومة الانتقالية والبدء في معالجة القضايا التي ذهبت بالنظام السابق. كذلك غياب الرؤية السياسية في صياغة مشروع وطني جامع يمثل بوتقة للثوار اولا ولكل وطني غيور ومهموم بقضايا وطنه، وهذا يستدعي درجة من الحكمة والحنكة السياسية، ويتطلب قدر من التنازل والمرونة في المواقف ويستوجب المساومة الذكية القائمة على قاعدة الكل كاسب (Win-Win Situation) لخلق قاعدة توافقية وطنية عريضة تستوعب جميع الوان الطيف، تقودها قيادات متجردة من الاطماع الشخصية والمكاسب الحزبية، ومنعتقة من دوافع الانتقام والتشفي، ومترفعة عن المعارك المتوهمة، ومعافاة من خطاب الكراهيه والحقد والاقصاء، وذلك لتحقيق مكاسب وطنية كبرى ينتظرها الشعب والثوار.
👈 إدعاء تحالف قوى الحرية والتغيير صناعة الثورة وإنكاره جهد المكونات السياسة الاخرى في الثورة، ومصادرة حقها في المشاركة مؤسسات الفترة الانتقالية، وإستيثاره بالحق المطلق في إدارة مرحلة ما بعد نجاح الثورة، خلق صراعا كبيرا داخل قوى الثورة، كانت الغلبة فيه الى قوى الحرية والتغيير، لضعف الخبرة السياسية لشباب الثورة وعدم انتظامهم في مواعين سياسية متمرسة الأمر الذي سهل على قوى الحرية والتغيير السيطرة على مسار الثورة في الفترة التي اعقبت سقوط النظام السابق، فاصبحت هي المفاوض بإسم الثورة واعطت نفسها حق المفوض لتشكيل حكومة الفترة الانتقالية، مما افقد الفصائل الاخرى من الثورار فرصة المشاركة في مؤسسات الحكومة الانتقالية. لم يقتصر الصراع على قوى الحرية والتغيير والفصائل الثائرة الاخرى، إنما انتقل الصراع الى داخل قوى الحرية والتغيير بسبب الاختلاف حول كيفية تشكيل الحكومة، ونوعية النظام الجديد الذي سوف يحكم، وكيفية بناءه مما تسبب في عجز تحالف قوى الحرية والتغيير في تقديم برامج وخطط تنموية واقتصادية وسياسية لحكومة الثورة من شأنها تحقيق اهداف الثورة. كذلك أدى اعتراض مكونات الثورة الأخرى من التيارات السياسية والقوى الثورية الحية من الشباب والمراة على انفراد قوى الحرية والتغيير بجمل الثورة وماحمل، والتنافر بين الحكومة وحاضنتها السياسية “قوى الحرية والتغيير”، الى عجز الحكومة وضعفها في السرعة والكفاءة لمعالجة الاوضاع السياسية والاقتصادية ومواجهة الازمات الخانقة التي تمسك بتلابيب الوطن، هذه الاسباب وغيرها خلقت حالة من السخط المتصاعد الذي احكم قبضته بالمجتمع.
👈 اشعلت الحكومة الانتقالية حربا ضروسا ضد الدين الاسلامي تحت ستار محاربة تجار الدين والهوس الديني من خلال منابرها او ممارساتها أو
وخططها التي تسعى من خلالها الى تغيير نظام الحكم من اسلامي الى علماني، أو تلك التي تستهدف تغيير المناهج الدراسية، أو تلك التي تريد عبرها إلغاء بعض المواد القانونية المستمدة من الشريعة الاسلامية الواردة في القانون الجنائي وقانون الاحوال السخصية، مثل المواد المتعلقة بتجريم الخمر وممارسة الدعارة والردة، والولاية والعصمة. بالرغم من أن الحكومة الانتقالية ليست مكلفة بإجراء مثل هذه التعديلات إلا انها ادارت حربا دون معترك مما جعل الشكوك تتسرب الى نفوس فئات عريضة من الشعب حول سعي الحكومة لعلمنة الدولة مما قلل حماس قطاع كبير من المجتمع في دعمها، بل مثل موقفها من الدين ورقة ضغط في يد المعارضة او الثورة المضادة.
👈 الدولة العميقة:
جعلت الحكومة معركتها مع اتباع النظام السابق وما يسمى بالدولة العميقة معركة مقدسة دونها التنمية ومعاش الناس بالرغم من انها احيانا معركة متوهمة، فإنشغال الحكومة بها وتوجيه كل طاقاتها للانتصار فيها، كل المجهودات التي تبذل لتحقيق الغلبة في هذه المعركة يعد انتصار للطرف الاخر على غرار المثل القائل “عدوك سهرو ولا نومو” ومعلوم أن مثل هذه المعارك لا يمكن حسمها وتحقيق الانتصار فيها، وذلك لتعدد ميادينها وتنوع اسلحتها. فالافضل لحكومة الثورة الانصراف للقضايا التي كانت سببا في ذهاب النظام السابق والعمل على معالجتها بدلا من التركيز على حرب لا طائل منها بل الخاسر فيها الوطن.
👈 لجان المقاومة التي برزت اثناء الحراك الثوري، قامت بعمل كبير في التنسيق وقيادة الشارع والطبيعي أن يتوقف فعلها الثوري بعد نجاح الثورة وإنتهاء مرحلة الهدم، ومن ثم الانتقال الى مرحلة البناء بمفاهيم نهضوية، بحيث تستبدل اسمها بمسمى يتناسب مع مرحلة ما بعد الانتصار وهي مرحلة البناء والاعمار فتسمي نفسها مثلا لجان “المعاونة” فليس هنالك ما يدعو للمقاومة او بالاحرى ماذا تقاوم هذه اللجان؟ ومن تقاوم؟ تتشكل لجان المقاومة من فئات مجتمعية مختلفة الانتماءات، يجمع بينها النضال والحس الثوري، فرضت نفسها دون قانون يسندها او تفويض مجتمعي يدعمها أو توافق يبرر وجودها. تضم لجان المقاومة مجموعات معتدلة من الثوار همها دعم الحكومة الانتقالية في تحقيق مرامي الثورة والمساهمة في بناء وإعمار الوطن، دافعهم الاساسي هو بناء وطن جميل يباهوا به الاوطان، ليس لديهم أي أطماع في سلطة او ثروة وهؤلاء قلة. بينما تضم فئات أخرى من المتطرفين الذين يحيطون بالحكومة المؤقتة إحاطة السوار بالمعصم، وهم أحسن تنظيما من المجموعة الأولى، وأقدر على التعبئة والتحشيد، لهم إنتماءات حزبية صارخة يسعون للسيطرة على العمل الميداني بالتنسيق مع الوحدات الحكومية المحلية، يتسم نشاط هذه الفئة بممارسة العنف والإرهاب والابتزاز والتهديد والغطرسة مما استعدى عليها كثير من المجتمعات المحلية. تقدس هذه الفئة، حكومة الثورة وتعتبرها (تابو Taboo)، فلا يجوز نقدها، ولا تصحيح مسارها مهما اغترفت من أخطاء، أو فشلت في تحقيق تطلعات الشعب، بل تسعى هذه الفيئة الى توظف كل قدرات الافراد لسب ولعن وشيطنة كل من يصدح بكلمة حق في وجه حكومة الفترة الانتقالية و وصمه بعبارة (كوز) غائر في الدولة العميقة. تحولت هذه اللجان بهذه الممارسات الى لوبي يفرض رؤيته واجندته على الحكومة الانتقالية، ملوحا ومراهنا على الشارع ومدعيا إمتلاكه زمام المبادءة والمبادرة لتحريكه. ارتكبت هذه الفئة المتطرفة كثير من المخالفات القانونية والجنائية باسم الثورة بل احيانا تقوم باعمال من صميم عمل الاجهزة الامنية. من اكبر الاخطاء التي وقعت فيها هذه الفئة انحراف مسار الثورة التعبوي الهادف الى التنمية والاعمار الى مسارات سياسية صارخة، خصم من الثورة الكثير من تعاطف الجمهور الذي كانت تتمتع به.
👈 الاشاعة و الكذب: اعتمد النشطاء السياسيين في دعم الثورة على اسلوب بث الاشاعة والكذب البواح إما للإجهاز على اعداء الثورة، أو لتحسين صورة الثورة لدى الشعب مما اصاب مصداقية قادة التحالف الحاضن للثورة وحكومة الفترة الانتقالية في مقتل، فما عاد لحديثهم او وعودهم تقدير في نفوس الناس. لتصحيح هذا الوضع لابد من الالتزام بالشفافية والوضوح في ظل الوسائط الاجتماعية والفضاء المفتوح فالرائد لا يكذب شعبه.
👈 السلام: يحمد لحكومة الثورة وحاضنتها السياسية قوى الحرية والتغيير، يحمد لهم إلاء عملية السلام الاهتمام الذي تستحقه. صاحب هذا الاهتمام عدم تروي جعلها لا تمييز بين المحارب والمسالم، وبين المحارب الراغب في السلام عبر تسوية عادلة، والمحارب الذي يريد فرض اجندته سلما او حربا. أغرت الحكومة حملة السلاح لممارسة الانتهازية والبراغماتية بإعلانها انها ستفاوض بسقف مفتوح دون قيود او شروط، على موضوعات التفاوض، او تطلعات الحركات في السعي لتحقيق مكاسب فشلت في تحقيقها عبر البندقية حيث التزم وفد الحكومة الذي وصف بالضعف الذي كان مصدرا للسخرية، التزم هذا الوفد توجيهات القيادة بالسقوفات المفتوحة فكان اكثر كرما من القيادة، فلم يرفض قط على الحركات بشئ قد طلبته، ولم يعترض البتة على أمر طرحته. اتسم التفاوض بالازدواجية والتناقض فتارة تجرد الحركات من نفسها شريك اصيل في الثورة ومكون أساسي في قوى الحرية والتغيير، وهي بالتالي تفاوض نفسها، وتارة أخرى تضع نفسها في موضع الخصم وتمارس نوعا من الابتزاز على الوفد الحكومي ساعية الى تعظيم مكتسباتها وزيادة رغباتها. من الاشياء التي توقف عندها المراقبون لمسار التفاوض فلسفة المسارات التي ابتدعها منبر التفاوض فابتدع مسار لسلام الشرق والوسط والشمال مما شعب واطال فترة التفاوض ودفع بشركاء جدد لعملية السلام من مناطق لم تشهد حروبا قط مما جعل التأويلات تتعدد لتفسير ما وراء هذه. يلاحظ أن كثير من الموضوعات التي تم تداولها في منبر التفاوص وتلك التي لم تطرح للتداول اتسمت بالقومية، مكانها ليس مائدة التفاوض التي تتناول قضايا مناطقية وجهوية، مما يجعل اي اتفاق يتم في هذه القضايا عرضة للقدح والنسف. بالرغم من الجهد المبزول لتحقيق السلام مع حملة السلاح إلا أن حكومة الفترة الانتقالية وحاضنتها السياسية أغفلت السلام الداخلي والمجتمعي الذي يقود الى التعافي والتصالح بين فئات المجتمع مما يوفر بيئة للانجازات الكبيرة، فالناظر الى الراهن يجد أن هذا النوع من السلام يتعرض لتصدع كبير وهو لا يقل أهمية عن السلام مع الحماعات المسلحة.
🤝 نجحت الثورة في اسقاط النظم السابق ولكن واجهة مهمة عسيرة في اصلاح المؤسسات القائمة فعمدت على تصفية بعضها والاجهاز على قياداتها بحجة إزالة التمكين، كذلك عجزت في استحداث مؤسسات وسياسات بديلة فما فتئ وزراء الحكومة الانتقالية يسيرون على نهج النظام السابق ويرددون عبارات ومصطلحات النظام البائد، فلم يستطيعوا بعد الانفكاك من الاطار السياسي والاقتصادي الذي صنعته الإنقاذ. إن تباطؤ وتوهان حكومة الثورة ربما يؤدي الى خلاف في صفوف الثوار قد يتفاقم ويولد حراك يجهض الثورة. ارجو ألا تنتهي الثورة الى حيث بدأت.
نترحم على كل شهداء الثورة سائلين الله ان يسكنهم فسيح جناته مع الصديقين والشهداء.
0912677147