بسم الله الرحمن الرحيم
تعد حروب الجيل السادس والخامس أكثر من مجرد تطور تقليدي في حروب الجيل الرابع وما قبلها، فهي حرب بلا قيود تستخدم فيها الوسائل كافة لإجبار العدو على الرضوخ وهي تعتبر من الحروب الهجينة التي تجمع بين الوسائل التقليدية والوسائل غير التقليدية مثل حروب المعلومات والحروب السيبرانية وغيرها. وأهم ما يميز هذه الحروب الحديثة أنّها تهدف إلى إطاحة الأنظمة الحاكمة ويختلف المحلّلون الاستراتيجيون والعسكريون في تعريف أجيال الحروب أو حقباتها نظرًا إلى اختلاف المعايير العسكرية والتكتية، والمفاهيم النظرية التي يستخدمونها في التعريف أو التحليل. مع ذلك، يمكن التمييز بين خمسة أو ستة أجيال ويمكن توضيح ذلك من خلال ما يلي :
حروب الجيل الأول : يعرّفها الخبير العسكري والكاتب الأميركي ويليام ليند بأنها حروب الحقبة الممتدة بين العامين 1648 و1860، والتي عُرفت بالحروب التقليديةConventional War.
وأُطلقت هذه التسمية على الحروب، التي تدور رحاها بين جيشين نظاميين على أرض واحدة وفي ميدان محدد، حيث تكون المواجهات مباشرة بين خصمين أو أكثر وتُستعمل فيها الأسلحة والذخائر والتكتيات التقليدية على أنواعها. وهذا الجيل من الحروب يتسم ببروز مقومات الفروسية والشجاعة والإقدام على مستوى القادة والأفراد. عرفت البشرية مبكرًا هذه الحروب التي استمرت حتى فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، واستُخدم خلالها عدد كبير من العمليات العسكرية، كعمليات المناورة والالتفاف لتطويق الخصم وضربه في أجنحته للقضاء عليه وتدميره.
حروب الجيل الثاني أو حرب العصابات : يتميز هذا الجيل بما يُعرف بحرب العصابات أو الحرب الثورية، وتكون عادةً بين جيش نظامي تقليدي ومجموعات قليلة العدد نسبيًا تقاتل لتحقيق هدف واحد. وهذه الحروب شبيهة إلى حد ما بحروب الجيل الأول، ولكن التطور الذي حصل في تقنيات الأسلحة وتكتيكات المناورة والحركة والنيران وطريقة إدارة استخدام الدبابات والطيران بين الأطراف المتنازعة، جعل لها خاصية أكثر دقة من ناحية القدرة على إحداث قدر أكبر من الخسائر في طرفي النزاع. تتميز حرب العصابات باستراتيجيتها وفكرها الخاص، فهي تنشأ في الصراع المستمر والطويل مما يحتّم اتّباع أسلوب المفاجأة والمباغتة في القتال ضد الجيوش النظامية، واعتماد الضربات الموجعة للعدو في معارك ومواجهات صغيرة ومتعددة، تضعف قدرته وتجعله يتراجع عن أهدافه تحت وطأة الضربات المتلاحقة من قبل خصم يظهر ويختفي، ويقاتل وفق استراتيجيةٍ يفرض فيها نفسه وشروطه، ويحدد مكانها وزمانها بما يضمن له النجاح.
تتميز حرب العصابات بأحادية القيادة إذ يجمع قياديوها عادةً، بين القيادة العسكرية والسياسة، كما تعتمد هذه الحرب على مساندة الإعلام بشكلٍ رئيسي، وذلك لكسب المزيد من الأنصار والتأييد، والتبرعات بالأموال. انتشرت هذه الحروب في كثير من دول العالم، ولعل أهم ما يميزها هو أنّه ليس هناك مقياس محدد لتسليح عناصرها، ولكن طبيعة ديناميكية الحركة والمناورة المستمرة فيها تفرض اعتماد الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
حروب الجيل الثالث : يعرّف البعض هذا الجيل بالحروب الوقائية أو الاستباقية Preventive War، التي انطلقت من وحي نظرية «الردع بالشك». وهي نظرية سياسية عسكرية ظهرت في الولايات المتحدة الأميركية عقب انهيار الاتحاد السوفياتي السابق. وتعني عمليًا الضربة الاستباقية وشن الحرب ضد كل ما من شأنه أن يهدد الأمن القومي الأميركي أو السلم العالمي، وتشكل الحرب على العراق نموذجًا عنها. غير أن الخبير الأميركي وليام ليند يرى أنّ الألمان هم من طوّروا هذا الجيل خلال الحرب العالمية الثانية باعتمادهم المرونة والسرعة في الهجوم، فضلًا عن المفاجأة والحرب خلف خطوط العدو.
حروب الجيل الرابع : يتفق الخبراء العسكريون على أنّ حرب الجيل الرابع التي عُرفت بــ«الحرب اللا متماثلة» (Asymmetric Warfare ) هي حرب أميركية صرفة، إذ وجد الجيش الأميركي نفسه يحارب «لا دولة» بعد أحداث 11 أيلول 2001. أو بمعنى آخر كان عليه محاربة تنظيمات محترفة عسكريًا ومدربة جيدًا منتشرة حول العالم، وتملك إمكانات ممتازة ولها خلايا خفية تنشط لضرب المصالح الحيوية للدول الأخرى لإضعافها أمام الرأي العام الداخلي وإرغامها على الانسحاب من التدخل في مناطق نفوذها. تُستخدم في هذه الحرب وسائل الإعلام الجديد والتقليدي، ومنظمات المجتمع المدني والمعارضة، والعمليات الاستخبارية، والشركات الأمنية الخاصة، والنفوذ الأميركي في أي بلد لخدمة مصالح الولايات المتحدة الأميركية، وسياساتها الاستراتيجية.
حروب الجيل الخامس : يعتبر البعض أن ما وصلت إليه الحروب البشرية اليوم، هو ما يسمى بحروب الجيل الخامس التي تعتمد على خلق تناقضات بين السلطة والمجتمع في دولة ما، وذلك باستغلال الوسائل كافة، ويقول أحد المحللين إنّ الجيل الخامس يعتمد في استراتيجيته على «احتلال العقول لا الأرض، وبعد احتلال العقول يتكفّل المحتل بالباقي»، فهو يستخدم العـنـف غـيـر المـسلـح، مـسـتـغلًا جـمـاعـات عـقـائـديـة مـسـلـحـة، وعـصـابـات الـتـهـريـب المنظمة، والتنظيمات الصغيرة المدرّبة، من أجل صنع حروب داخلية تتنوع ما بين اقتصادية وسياسية واجتماعية، بهدف استنزاف الدولة المستهدَفة ووضعها في مواجهة صراعات داخلية، بالتوازي مع التهديدات الخارجية العنيفة.
يعتمد صانعو حروب الجيل الخامس على استخدام التقنيات الحديثة، التي تشمل القوة المسلحة، كالصواريخ المضادة للدروع، والعمليات الانتحارية، ونصب الكمائن، والأعمال الإرهابية، والقوة غير المسلحة، التي يكون فيها العدو فاعلًا من دون أن يظهر بشكل مباشر. كما تشمل هذه التقنيات الإرهاب الإلكتروني، والحرب السيبرانية، وإثارة الشعوب، وتحريكها وفق الأهداف السياسية لدول أخرى. ويرى بعض الخبراء أنّ من بين التقنيات أيضًا استحداث حالة فوضى في مواقع الصراع بين أطراف محلية، تتيح للدول الكبرى التدخل وتوجيهها لمصلحتها، و«الربيع العربي» وفق البعض، هو أحد هذه التطبيقات. كما يرى الخبراء أنّ إغراق المناطق المستهدفة بالمخدرات هو أحد الأسلحة الفعالة لحروب الجيل الخامس. تستخدم التقنيات الحديثة بهدف إيجاد حكومة في الظل، كما أنّها تتعامل مع كيانات صغيرة متعددة وممنهجة تعمل على هدم التعليم في الجامعات وإشاعة الفوضى، وارتكاب أفعال إجرامية للتشكيك في قدرة الدولة على السيطرة الأمنية، وتُسـتغل هذه التشكيلات الإجرامية في فبركة الأخبار وتبديل الحقائق وترويع المواطنين.
حروب الجيل السادس : ثمة من يتحدّثون عن الجيل السادس من الحروب، وهم يعتقدون أنّ روسيا هي أول من أطلقه، والمقصود هنا الحرب التي تُدار عن بعد، من خلال استخدام الأسلحة الذكية لتأليب المجتمع من خلال التجنيد الكامل لشبكات الإنترنت بهدف تهديم أركان الدولة وإفشالها. وتتنوع الوسائل الذكية لتشمل استخدام الطيور والحيوانات والأسماك كأدوات للتجسس وإلحاق الضرر عن بعد، وتتمثل أساليب مواجهة الحروب الحديثة افي اهمية التركّيز على المجتمع والتطبيق على سياسات الحكم الرشيد، والتي تعمل على تحصين المجتمع، من خلال كسب ولاء المواطنين، واستهداف الحواضن الاجتماعية للإرهابيين والميليشيات المسلحة وتجفيف مواردها. وتُعّدُ برامج توعية الأفراد ومنع اختراق المجتمع ثقافيًا من أهم أساليب مواجهة هذا الجيل من الحروب، إضافة إلى تفكيك التحالفات المعادية التي تنشأ ضد الدولة ومنع تمويلها ودعمها ماديًا وبشريًا، ويتم ذلك بوسائل متعددة عسكرية وغير عسكرية، بهدف تجنّب الانفجار من الداخل نتيجة وجود ثغرات في النسيج المجتمعي.
البروفسيور : فكري كباشي الامين العربي