مقالات الرأي
أخر الأخبار

قوة العملة وسطوتها – هذي رؤاي – ✍️ عبد العزيز عبد الوهاب

إبتداء من يوم الثلاثاء ، العاشر من ديسمبر 2024م وُلد جنيه سوداني جديد ، نأمل أن يكون صحيحا معافًى من الكساح والإنبطاح ، جنيه تعلوه المهابة وتكسوه قوة التغطية والإبراء ، كتلك التي كسته خلال الفترة من 1958-1978.

 

يومها تم ربط الجنيه بالدولار الأمريكي بمعدل 2.87156 دولار لكل جنيه سوداني واحد .

 

ويومها لم يكن يمتلك السودان ، سوى الأرض والماء و( الجدارة) ، وهاهي الأرض اليوم لم تغادر مكانها ولم تبخل عن العطاء ، وهاهو الماء لا يزال يجري من فوقنا ومن تحت أرجلنا شلالا رويا .

 

لكننا اليوم بحاجة ماسة إلى الجدارة وإلى سعة الخيال وحسن التدبير لنعيد للجنيه مجده وهيبته .

 

تغييرات عديدة طالت ( الجنيه ) منذ إطلاقه في العام 1960، تاريخ تأسيس البنك المركزي ، وفي العام 1970 تم تغيير العملة لإدخال تقنيات حديثة لتفادي التزوير .

 

وفي خطوة يمكن تسميتها بالغواية السياسية والعبث الإقتصادي ؛ تم إصدار الدينار بدلا عن الجنيه في العام 1992 ، لكن بعد توقيع إتفاق نيفاشا تم إلغاء الدينار ليعاد الجنيه للتداول إبتداء من 2007م . ليتم تاليا طرح نسخة جديدة من الجنيه بعد انفصال الجنوب في 2011م .

 

ويعتبر التغيير الحالي هو الأكثر أهمية إقتصاديا وسياسيا ، لأنه يأتي في ظلال الحرب التي تشنها مليشيا الدعم السريع وأفضت إلى أكبر عمليات نهب للأموال من الأفراد والشركات والبنوك بما فيها بنك السودان ، ما يمكن وصفها بأوسع عملية تخريب للإقتصاد السوداني منذ إستقلاله .

 

وتتجاوز عملية التغيير الحالي ، دوافع تحاشي التزوير ، رغم سريان إشاعات كثيرة بشأنه ، خصوصا بعد الحديث عن تسليم حكومة الدكتور عبد الله حمدوك ( كليشهات) العملة السودانية للإمارات ، في مشهد غارق في العمالة والتبذل السياسي والأخلاقي .

 

لتتولى دويلة الشر طباعتها من وراء عين الحكومة ؛ خصوصا من فئة ال 500 والألف جنيه ليتم بها إغراق البلاد بعملات استخدمت في تمويل عمليات عصابات الدعم السريع .

 

تحدث الناس كثيرا عن تأخر الحكومة عن إتخاذ قرار إلغاء العملة أو تغييرها ، ما أدى إلى سيطرة العدو على الإقتصاد والتجارة وإلى الإرتفاع الذاهل في أسعار الدولار ، وتهريبه إلى دول الجوار و( غسله) هناك في هيئة عقارات وذهب واستثمارات ضخمة تعود لمنتهبيها والمتعاونين معه .

 

و( هذا الملف يجب أن تتولى الحكومة متابعته بملاحقة اصحابه لاسترداد هذه الأموال بالطرق التي تعرفها ) ، يقابله تدهور غير منظور في قيمة الجنيه ، مما أفقد منتجاتنا تنافسيتها خارج الحدود .

 

ربما يكون لمتخذ القرار أسبابه ودوافعه في هذا الإبطاء الذي لا تخفى تبعاته المقلقة ، لكن يسود الناس إرتياح ما ، بسبب السيطرة المأمولة على السيولة التي لا يكاد يبين لها سقف ، بإعادتها إلى حضن المصارف ولجم السحب منها ، والذي نتمنى أن يتم ضبطه بما يحقق الغايات الوطنية غير المرئية منه .

 

ثمة ما يدعو للتنبه له جيدًا ، أمنيا وإقتصاديا وهو ضرورة أن تكون الحكومة قد تفادت حالات التبسط في تسييج العملة بأعلى قدر من الجودة في السلامة والمأمونية ، ولو أدى ذلك لرفع كلفة الطباعة و أن تكون إختارت أحدث أنواع ورق الطباعة وأطوله عمرا ، وأجود خيوط الأمان والعلامات المائية والألوان المقاومة للذوبان .

 

و نأمل أن تكون قد إلتزمت بالمعايير الدولية التي تضمن عدم تعرضها للتمزيق والإتساخ مع تحمل ظروف التداول المختلفة بكل ما فيها من عدم إكتراث و عدم توقير للعملة الوطنية .

 

كما نرجو أن تكون قد وفرت لها ما يعزز تأمينها بعلامات ورسوم متشابكة يستحيل تزويرها .

 

فإن لم تكن تلك التدابير قد تحققت الآن ، فيجب تداركها بأسرع وقت في باقي الفئات الأخرى قبل إصدارها .

 

وأجدر من هذا ؛ يجب إنشاء جهاز أمني خاص متخصص في حماية العملة الوطنية وسن قوانين بعقوبات مشددة تطال المهربين والمزورين بل وحتى الذين يتعمدون تشويهها وتمزيقها .

 

لقد تأذى السودان كثيرا من إغراقه بمليارات العملات المزيفة ، التي تتولى آثام تزويرها جهات أمنية معادية ، بهدف تركيعه سياسيا وإفقاره إقتصاديا ، وتقطيع أوصاله إجتماعيا ، وهذا هو عين ما نكابده اليوم بأوجع الصور والمشاهد !

 

وما دمنا نباشر بناء سودان ناهض سياسيا وإقتصاديا ، بعد القضاء على المليشيا الإرهابية وتوابعها وداعميها وحاضنتها التقزمية المأزومة وطنيا وسياسيا ، فإن تأمين العملة وصيانتها سياديًا، وإكسابها الإحترام اللائق معنويا ، هو أول مدارج العروج نحو وطن مستقل عصي على الإنتياش والغرق في مستنقعات المهانة السياسية والإقتصادية .

 

وليعلم الجميع أن ( تحرير) العملة الوطنية من أيدي المحاربين والمغتصبين لا يقل أثرًا ولا خطرا عن( تحرير) المدن والدولة بمجملها من المعتدين الآثمين.

 

ودمتم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى


انضم الى لقناة (زول نت) تلقرام