ظاهرة المرتزقة: سرطان ينخر في جسد الأمم وتحدٍ يستوجب مواجهة عاجلة – شئ للوطن – ✍️ م.صلاح غريبة
تعتبر ظاهرة المرتزقة من أخطر التحديات التي تواجه المجتمع الدولي في العصر الحديث، فهي تشكل تهديداً مباشراً للسلم والأمن الدوليين، وتنتهك بشكل صارخ قواعد القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان. لقد تحولت هذه الظاهرة من هامشية إلى ظاهرة عالمية، تتجسد في تجنيد أفراد مدربين عسكرياً للقتال في صراعات لا علاقة لهم بها، مقابل أجر مادي، دون أي ارتباط قانوني بالدولة التي يقاتلون لصالحها.
من أسباب انتشار ظاهرة المرتزقة، الصراعات المسلحة التي تلعب الدور الأكبر في انتشار ظاهرة المرتزقة، حيث تلجأ الدول والأطراف المتنازعة إلى تجنيد المرتزقة لتعزيز قدراتها العسكرية وتنفيذ عمليات عسكرية معقدة، وتؤدي التغيرات السياسية والاقتصادية في بعض الدول إلى زيادة معدلات البطالة والفقر، مما يدفع بالعديد من الشباب إلى الانضمام إلى صفوف المرتزقة بحثاً عن مصدر للدخل، بجانب انتشار الأسلحة الخفيفة والمتوسطة بشكل واسع يسهل عملية تجنيد المرتزقة وتزويدهم بالأسلحة والعتاد اللازم، والمعروف أن شركات المرتزقة تقدم عروضاً مالية مغرية للمرتزقة، مما يجذب العديد من الشباب الباحثين عن الثراء السريع.
تأثير ظاهرة المرتزقة يظهر في تدهور الأوضاع الأمنية في الدول التي تشهد صراعات، حيث يرتكب المرتزقة العديد من الجرائم والانتهاكات ضد المدنيين، كما يؤدي انتشار المرتزقة إلى زيادة معدلات العنف وتدهور حالة حقوق الإنسان، حيث يتم استخدام المرتزقة في تنفيذ عمليات اغتيال وتصفية حسابات شخصية، وتشكل ظاهرة المرتزقة تهديداً مباشراً للسلم والاستقرار الدوليين، حيث يمكن أن تؤدي إلى تصعيد الصراعات وتوسيع رقعة النزاعات.
من أمثلة على ظاهرة المرتزقة السودان الذي شهد في السنوات الأخيرة انتشاراً واسعاً ظاهرة المرتزقة، حيث تم تجنيد مرتزقة من دول مختلفة، مثل كولومبيا، للقتال في الصراعات الدائرة في البلاد، ولعبت ظاهرة المرتزقة دوراً كبيراً في تعقيد الأزمة الليبية، حيث تدخلت دول أجنبية بتجنيد مرتزقة لدعم الأطراف المتنازعة، وتواجه تشاد تحديات أمنية كبيرة بسبب انتشار الجماعات المسلحة وتجنيد المرتزقة، ولهذا يلجأ العديد من الشباب العرب من دول وسط أفريقيا إلى الانضمام إلى صفوف المرتزقة بحثاً عن فرص عمل وفراراً من الأوضاع الصعبة في بلدانهم.
تتطلب محاربة ظاهرة المرتزقة تضافر جهود المجتمع الدولي، واتخاذ مجموعة من الإجراءات الحاسمة، من بينها، تفعيل القانون الدولي، فيجب على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تفعيل القوانين الدولية ذات الصلة بمحاربة ظاهرة المرتزقة، وتقديم الدعم الكامل للمحكمة الجنائية الدولية لملاحقة مرتكبي الجرائم المرتبطة بالمرتزقة، كما يجب تعزيز التعاون الدولي بين الدول لمكافحة تمويل وتجنيد المرتزقة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية حول الشبكات الإجرامية التي تعمل في هذا المجال، وتقديم الدعم للدول المتضررة من ظاهرة المرتزقة، من خلال بناء القدرات الأمنية وتعزيز سيادة القانون، بالاضافة الى معالجة الأسباب الجذرية لظاهرة المرتزقة، من خلال مكافحة الفقر والبطالة وتوفير فرص عمل للشباب، وتوعية المجتمع بخطورة ظاهرة المرتزقة وآثارها السلبية، وتشجيع الشباب على الابتعاد عن الانخراط في مثل هذه الأنشطة.
يجب على الدول وضع قوانين وطنية صارمة تجرم تجنيد واستخدام المرتزقة، وتفرض عقوبات مشددة على مرتكبي هذه الجرائم، كما يجب أن تشمل هذه القوانين حظر تمويل وتدريب المرتزقة.
تعتبر ظاهرة المرتزقة من أخطر التحديات التي تواجه المجتمع الدولي، وتتطلب جهوداً مضاعفة لمكافحتها والقضاء عليها. يجب على جميع الدول والأطراف المعنية التعاون من أجل بناء عالم أكثر أمناً واستقراراً، خالٍ من العنف والصراعات.