عقلية الغنائم كيف تقوض المشاريع الكبرى وتؤدي إلى الانهيار ✍️ هشام محمود سليمان
عقلية الغنائم هي ظاهرة ترتبط بالأفراد أو الجماعات التي تسعى إلى استغلال الموارد والأرباح بطريقة مفرطة ومؤقتة دون النظر إلى المدى الطويل أو التأثيرات المستدامة على النظام أو المجتمع هي حالة من الطمع والأنانية التي تركز على الاستفادة الشخصية والعاجلة متجاهلة القيم الكبرى أو المبادئ التي قد تسهم في بناء مستقبل مستدام
تعتبر عقلية الغنائم عاملا رئيسيا في العديد من الانهيارات التاريخية والسياسية حيث أن الطمع في المكاسب الشخصية على حساب المصلحة العامة يمكن أن يؤدي إلى تاكل الجهود المشتركة وانهيار الدول والمشاريع الكبرى هذا المقال يركز علي هذه العقليات لما لها من دور هدام علي الامن والسلام المجتمعي
وارد هنا أمثلة بارزة لتوضيح تأثير عقلية الغنائم في الماضي والحاضر
عليه الغنائم وتاثيرها علي سقوط الدول في الماضي :-
أ. سقوط الأندلس:-
—————-
في الأندلس على الرغم من ازدهار الحضارة الإسلامية انتشرت عقلية الغنائم بين حكام الطوائف بعد انهيار الخلافة الأموية في قرطبة
بدلا من التوحد لمواجهة الخطر المسيحي المتصاعد سعى حكام الطوائف إلى استغلال الفرص على حساب بعضهم البعض كانوا يفضلون الحصول على غنائم شخصية مثل الأراضي أو المكاسب الاقتصادية على حساب الحفاظ على الكيان السياسي القوي
فكانت هناك تحالفات مع الأعداء في كثير من الأحيان بهدف تقوية الوضع الداخلي ولكن هذا أدى إلى زيادة الانقسام والاستفراد بالأرض والمكاسب دون التفكير في مصير الأندلس ككل
هذه العقلية تسببت في تراجع القوة العسكرية والاقتصادية مما سهل على الممالك المسيحية استعادة الأراضي واحدة تلو الأخرى في النهاية مؤدية إلى سقوط الأندلس
ب . الدولة العباسية (المرحلة المتأخرة):-
————
مع الوقت سيطرت عقلية الغنائم والمحسوبية على الدولة العباسية خاصة خلال عهد الخلفاء المتأخرين أصبح توزيع المناصب والموارد يعتمد على الولاء الشخصي للنخب وليس على الكفاءة فكانت النتيجة الحتميه حيث أدى ذلك إلى تفكك الدولة العباسية وضعفها أمام القوى الخارجية كالبويهيين والسلاجقة وأخيرا المغول الذين أسقطوها عام 1258
ج. الإمبراطورية العثمانية (القرنين 17-19):-
————–
بعد فترة من القوة في حكم السلاطين العشره الاوائل سادت عقلية الغنائم داخل النظام العثماني حيث أصبح توزيع الأراضي والوظائف قائما على المكافات الشخصية (نظام التيمار) الذي كان فعالا سابقا تحول إلى أداة استغلالية فكانت أيضا النتيجه القاسيه
أدى ذلك إلى تراجع اقتصادي وعسكري وتزايد الفساد مما جعل الإمبراطورية رجل( أوروبا المريض ) حتى سقوطها بعد الحرب العالمية الأولى
د. الاستعمار الأوروبي في إفريقيا:-
——————-
الدول الاستعمارية مثل بلجيكا (في الكونغو) استخدمت عقلية الغنائم لاستنزاف الموارد الطبيعية لصالح النخب الأوروبية مما دمر البنية الاجتماعية والاقتصادية للدول الإفريقية فكانت النتيجه
بعد الاستقلال ورثت العديد من الدول الإفريقية أنظمة تقوم على استغلال الموارد والفساد مما أدى إلى انهيار بعضها مثل زائير (الكونغو الديمقراطية لاحقا) خلال حكم موبوتو
ه . الاتحاد السوفييتي:-
——————–
رغم تقديمه كدولة اشتراكية كانت هناك نخب حزبية تسيطر على الموارد بشكل غير عادل ساهمت بيروقراطية الفساد وعقلية الغنائم في انهيار الاقتصاد
و بحلول أواخر الثمانينيات تسبب هذا الاستنزاف الداخلي وضعف الاقتصاد في تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991
و . الدولة الصفوية في إيران:-
في أواخر عهد الدولة الصفوية أصبحت النخب الحاكمة تتنافس على الغنائم بدلا من إدارة الدولة بشكل مستدام
فأدى ذلك إلى ضعف الدولة وسقوطها أمام الغزو الأفغاني عام 1722
ز . الدولة الصفوية في إيران:-
———————-
في أواخر عهد الدولة الصفوية أصبحت النخب الحاكمة تتنافس على الغنائم بدلا من إدارة الدولة بشكل مستدام
أدى ذلك إلى ضعف الدولة وسقوطها أمام الغزو الأفغاني عام 1722
ب . عقبلية الغنائم في العصر الحديث:-
———————–
أ . ليبيا (عهد القذافي)
——————-
اعتمد نظام القذافي على توزيع الثروات النفطية كغنائم على أفراد قبائل معينة لإبقاء النظام في السلطة مع إهمال التنمية الاقتصادية والبنية التحتية
أدى ذلك إلى انهيار مؤسسات الدولة وعقب الإطاحة بالقذافي غرقت البلاد في الفوضى نتيجة غياب أي نظام مستدام
ب . عقلية الغنائم في السودان
كيف أسقطت دولة الإنقاذ:-
———————
في السودان تجسدت عقلية الغنائم في نظام الإنقاذ الذي حكم البلاد من 1989 حتى 2019 بعد أن وصل النظام إلى السلطة عبر انقلاب عسكري بدأ في تفكير الطاقات من أحل استغلال الموارد فاستخرجت البترول في ظروف عصيبه وحصار أمريكي جائر وفي موتمر من موتمرات الكلاب بالعليفون أذكر جيدا ما قاله الدكتور حسن الترابي حيث قال انني خشي عليكم من فتنه المال والسلطه وقد كان فبعد ان تدفق البترول ونمت الموارد ظهرت عقليات الغنائم بشراهه فبدلا من استغلال الايرادات في العمل من أحل بناء على بناء الدولة السودانية وتعزيز اقتصادها كان الأولوية لمنح المكاسب الشخصية للموالين سواء كانت في شكل وظائف عقود اقتصادية أو مصالح خاصة ومنهم من تملق السلطه
ونال المكاسب الكبيره والامتيازات العظيمه وما ان اندلعت الثوره حتي قلب ظهر للانقاذ وبدأ وكانه كان من كبار المعارضين للانقاذ
هذه العقلية أدت إلى فساد مستشري وتراكم الديون وتدهور الخدمات العامة في وقت كان فيه المواطنون في حاجة ماسة إلى تحسين مستوى الحياة وتطوير البنية التحتية كما أدت إلى تهميش القوى الوطنية الأخرى وتفاقم الصراعات الداخلية في النهاية أدى هذا التراجع في الحكم الرشيد وإدارة الموارد إلى تفكك الدولة في عدة أزمات اقتصادية واجتماعية ما أسهم في إسقاط النظام بعد موجة من الاحتجاجات الشعبية العارمة في عام 2019
عقلية الغنائم وتآكل الأفكار الكبيرة:-
——————
عقلية الغنائم لا تؤثر فقط على الدول والسياسات بل أيضا على الأفكار الكبرى والحركات الاجتماعية فكلما انشغلت الجماعات والأفراد بالتنافس على المكاسب الشخصية تآكلت المبادئ التي قامت عليها الأفكار الكبرى بدلا من السعي لبناء مجتمع عادل ومستدام يصبح التركيز على الاستفادة الفردية السريعة مما يؤدي إلى تبديد الطاقات وإضعاف الروح الجماعية
أكثر من ذلك فإن عقلية الغنائم تقود إلى استغلال الثروات المثالية دون العمل على تحقيق أهداف تنموية شاملة ويضيع بذلك البعد الاستراتيجي الذي يجب أن يوجه العمل الجماعي نحو بناء قاعدة صلبة للأجيال القادمة
خاتمة:-
إن عقلية الغنائم تعتبر أحد أكبر أعداء التطور والاستدامة فهي تقود إلى فساد الأنظمة السياسية وتفكك الأفكار الكبرى وتبدد الثروات سواء كانت مادية أو فكرية لتجنب الوقوع في فخ هذه العقلية يجب أن تكون الأولوية للأهداف المشتركة والاستثمار في المستقبل بدلا من السعي وراء المكاسب الشخصية الفورية