مقالات الرأي
أخر الأخبار

الإعلام: سلاح المستقبل وحرب الظل في السودان – تحليل أعمق – شئ للوطن – ✍️ م.صلاح غريبة

شهد العالم في السنوات الأخيرة تحولًا جذريًا في طبيعة الصراعات، حيث انتقلت المعارك من ساحات القتال التقليدية إلى ساحات الإعلام الرقمية. لم يعد السلاح التقليدي هو العامل الحاسم في حسم النزاعات، بل أصبح الإعلام هو الساحة الرئيسية التي تُخاض فيها الحروب، وهو ما يُعرف بـ”حرب الظل”.

في السودان، تجلت هذه الحقيقة بشكل واضح خلال الصراع الأخير، حيث استخدم طرفا النزاع الإعلام كسلاحٍ ذي حدين؛ للتأثير على الرأي العام المحلي والدولي، وتوجيه الرأي العام، وتجييش الشارع، وتشويه صورة الخصم.

يمتلك الإعلام قوة هائلة في تشكيل الوعي العام وتوجيه السلوكيات، وهو ما يجعله أداةً بالغة الأهمية في أي صراع. فمن خلال السرديات الإعلامية، يمكن للأطراف المتصارعة أن تبني صورة معينة عن الأحداث، وأن تقدم تفسيرات مغايرة لما يحدث، وأن تروج لأيديولوجيات معينة.

وفي حالة السودان، استخدمت مليشيات الدعم السريع المتمردة الإعلام لتقديم نفسها على أنها المدافع عن الوطن والمواطنين، بينما صورتها القوات المسلحة على أنها قوى استبدادية تسعى إلى قمع الشعب. وعلى الجانب الآخر، حاولت القوات المسلحة أن تقدم نفسها على أنها الحامية الشرعية للوطن، وأن تتهم المليشيات بالسعي للوصول إلى السلطة بالقوة واحتلال السودان ديمغرافيا.

يواجه الإعلام الوطني في السودان العديد من التحديات التي تحول دون أدائه دوره على أكمل وجه، ومن أبرز هذه التحديات، قلة الموارد، فيعاني الإعلام الوطني من نقص في التمويل والإمكانيات التقنية، مما يجعله عاجزًا عن المنافسة مع الإعلام الإقليمي والأجنبي المدعوم بمصادر ضخمة، ويحتاج الإعلاميون إلى تدريب وتأهيل مستمرين لمواكبة التطورات المتسارعة في مجال الإعلام، وتعلم كيفية التعامل مع المعلومات الزائفة والأخبار الكاذبة، ويتعرض الإعلام الوطني للضغوط السياسية، مما يؤثر على حياديته ومصداقيته، ويجعله أداةً في يد السلطة الحاكمة، كما تساهم وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار الأخبار الكاذبة والشائعات، مما يزيد من صعوبة الوصول إلى الحقيقة.

على الرغم من التحديات التي تواجهه، يمكن للإعلام أن يلعب دورًا حيويًا في بناء السلام والاستقرار في السودان بنشر ثقافة الحوار والتسامح بين مختلف الأطراف السودانية، وتعزيز قيم المواطنة والوحدة الوطنية، كما يجب على الإعلام أن يواجه الخطاب الكراهي والتحريض على العنف، وأن يعمل على تعزيز قيم التنوع والاحترام المتبادل، ويجب على الإعلاميين أن يلتزموا بالمهنية والحيادية في تغطية الأحداث، وأن يقدموا معلومات دقيقة وموثوقة للجمهور، ويمكن للإعلام أن يساهم في تعزيز الشفافية والمساءلة، من خلال كشف الفساد والانتهاكات، ومحاسبة المسؤولين.

لتعزيز دور الإعلام الوطني في السودان، يجب اتخاذ مجموعة من الإجراءات، منها توفير الدعم المادي والتقني للإعلاميين، بتوفير الموارد اللازمة لتطوير البنية التحتية للإعلام، وتدريب الكوادر الإعلامية، وتوفير المعدات اللازمة للإنتاج الإعلامي، بجانب سن قوانين تضمن حرية الإعلام، وتحمي الصحفيين من الاعتقال والتعذيب، وتضمن حق الجمهور في الحصول على المعلومات، ويمكن إنشاء مجلس أعلى للإعلام يتبع مباشرة لمجلس السيادة، يتولى تنظيم قطاع الإعلام، وضبط الجودة، وحماية حقوق الإعلاميين، كما يجب تشجيع التعاون بين الإعلاميين من مختلف المؤسسات الإعلامية، لتبادل الخبرات والمعرفة.

ختامًا، يمكن القول إن الإعلام هو سلاح ذو حدين، ويمكن استخدامه لبناء الأمم أو تدميرها. وفي حالة السودان، فإن الإعلام الوطني يواجه تحديات كبيرة، ولكنه يمتلك أيضًا إمكانات هائلة للعب دور إيجابي في بناء مستقبل أفضل للبلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى