لا احد عاقل راشد يستطيع أن ينكر ان هذا التطور التقنى المذهل ومظاهر الحداثة التى تنتظم العالم وتجعلك تدير انسك وتجارتك وصناعتك وكافة نشاطات حياتك من خلف طاولة الكى بورد….كل تلك النقلة المذهلة فى هذا الكون المزدحم الذى اختلط فيه حابل الخير بنابل الشر بالدرجة التى يعترف فيها الحليم الحيران بالهزيمة فى قدرته على فرز الخير من الشر من فرط الجوار القريب وطغيان الشر الذى خفف من الخير وجعل طعمه ولونه باهتا لا يرى إلا بمجهر مكبر للصغائر…… كل هذه النقلة صاحبها فى الجانب المقابل تصحر وجفاف عدمى فى معين القيم الإنسانية الفاضلة ومكارم الاخلاق للدرجة التى اصبحنا فيه نحتفل ونوقد الشموع حينما نسمع بقصة صدق او وفاء وغيرها من القيم الإنسانية التى يفترض وباوامر ربانية من خالق الكون ان تكون هي السائدة واضدادها من شاكلة الكذب والغدر هى البائدة ولكن ماذا لنا أن نقوله فى حق صنف من البشر بطوعهم واختيارهم وبكامل قواهم العقلية يصرون أن يستبدلون الذى هو أدنى بالذي هو خير مخالفين بذلك كل قواعد الفطرة السليمة التى فطر الناس عليها….
باستصحاب هذا الواقع المظلم المتشائم يجتهد كثيرا من اهل الخير نساء ورجالا ويشمرون عن سواعد الجد ليوقدوا شموعا مضيئة بدلا من رفع راية الاستسلام البيضاء والتخندق فى ساحة العزاء ليكتفوا بنشاطات غير منتجة من شاكلة لعن الظلام والنحيب ولطم الخدود وشق الجيوب على القيم الإنسانية النبيلة التى تخصص بعض كثير من بنى جلدتنا فى استخدام أسلحة الدمار الشامل لابادتها واستئصالها…
فى ظل ومييض هذا التفاؤل الحذر وصلتنى من شخصية ملهمة صورة قلب احمر نابض بالحياة…أرغمت هذه الصورة طاقة إيجابية ملهمة للانتشار السريع فى دواخلى ونشطت ذاكرتى أن أكتب هذا المقال عن ذلك القلب النابض وقصة وفاء مؤثرة بطلتها امرأة من حسناوات بلادى وما اعظمهن من نساء
القلب النابض ما أرى فيه إلا مسبحا بنغمات مموسقة موزونة شاكرا لخالقه….سبحان الله المبدع الخلاق…
المعاناة التى عانيتها وعشتها فى حياتى منذ الصغر جعلت منى دائما منحازا للمستضعفين ومحبا للمساكين انحيازا فطريا اختياريا لا قسريا ومنذ زمن بعيد دوما اردد واقول قولة …حب القلوب ولا حب الجيوب….المحبة التى تتعلق بتوابت مكارم الاخلاق فى البشر هى التى تنمو وتزدهر وتقوى…أما المحبة التى تبنى على أساس المتغيرات المادية والصحية فاساسها هشا ومبنى على شفا جرف هار يحمل بذور انهياره فى جوفه وسرعان ما ينهار بفناء مقاصده المادية غير المعصومة من الزوال النسبى أو الكلى… اذا احببت شخصا لماله الذى لا يملك أن يحميه وفقا لسنن الله فى الكون من التبديل والتغير…مثل ذلك الحب يموت ويزول بزوال الماعون الذى وضع فيه. وهو المال…فهنيئا لمن احب الناس حبا صادقا فى الله اولا ثم لمكارم اخلاق يتدثرون بها ثانيا…
تشرفت بتعرفى على امرأة من اهلنا كان زوجها كادحا بقدر ما يوفر العيش الكريم لها ولعيالها وسار على ذلك حتى ابتلاه ربه بمرض جعله مشلولا طريح الفراش لمدة خمسة سنوات لا كلت ولا ملت ولا اشتكت ..كل ناس الحلة وانطلاقا من محبتهم لذلك الرجل الكادح كانوا يزورونه كثيرا. وبدون ترتيب أو اعلام مسبق..كذاب ود مقنعة يقول زاره ومن غير مواعيد ووجده الا نظيفا فى ثيابه وبدنه ومعطرا. …
توفاه الله بعد خمسة سنوات من المرض فوالله حدثنى أحد أقاربه أنهم حينما دخلوا عليه فى غرفته للقيام بواجب الغسل والتجهيز قال لى والله وجدناه نظيفا فى بدنه وثوبه معطرا كأنه عريسا فى ليلة عرسه…..
يا سلام….يا الله… لله درك وما اعظمك وأكرمك أيتها المرأة الوفية النقية صاحبة الهمة العالية والمروءة وبقية القيم التى ماتت فى زمننا هذا إلا من هذه النمازج الفردية المتفردة…كنت كل ما اقابل هذه المرأة احييها بسلام خاص وكلام خاص ودعاء خاص عن جدارة بها مستحقة…..
رحمكما الله انت وزوجك …بموتكما تنتحب كل مكارم الاخلاق وتصرخ المروءة فى انتظار معتصما ينقذها….
مررت على المروة وهى تبكى فقلت علام تنتحب الفتاة….
فقالت كيف لا ابكى واهلى دون خلق الله ماتوا….
فى الختام لا يسعني إلا ان اعبر عن عميق امتنانى وشكري لذلك الشخص الملهم الذى اهدانى ذلك القلب النابض الذي الهمنى لاوثق بحروف مدادها الدموع لقصة امرأة وفية نقية عسى تكون نموزجا يحتزى لنساء بلادى وما اعظمهن واكرمهن من نساء…
مع شكري وتقديرى
دكتور عباس طه حمزة
جامعة الخرطوم