العنف ظاهرة لازمت الإنسان منذ وجوده، في الفعل والقول، ماديا أو رمزيا. ونحن نلاحظها في مختلف مجالات الحياة الثقافية والسياسية والاقتصادية. وأظهرت دراسات أنثروبولوجية وفلسفية عدة، أن الإنسان بحكم أنانيته و حبه للامتلاك هو عدواني بطبعه.
كل الاديان السماويه جاءت بشريعة تقدير النفس البشرية فالإسلام، مثلا، أكد على احترام الذات الإنسانية بغض النظر عن انتماءاتها العرقية أو الثقافية أو العقائدية. وتضافرت نصوص الشريعة لتأمين حماية تضمن تكريم بني آدم: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا ً” ﴿الإسراء الآية 70﴾. وكان الإسلام ثورة على الظلم والظلام، ودعوة للحق والسلام، إذ بشّر بالقيم الكونية والحقوق الطبيعية بكل معانيها، وأكد على ضمان حقوق الإنسان في زمن الحرب فعلا وقولا.
بين الحرب والسلام فرقٌ شاسع واختلافٌ كبير، فالحرب خرابٌ ودمار، وموت ومآس، والسلام حياة وبناء وفرح، وقد خاضت البشرية منذُ الأزل الكثير من الحروب التي راح ضحيتها الملايين من البشر وتهدمت فيها الآلاف من المُدن واستهلكت ما يملكه البشر من الموارد الاقتصادية في سبيل تحقيق المعاناة والهيمنة على العالم، والحرب مهما كانت أسبابها فهي مشروع للموت، ولا تُحقق السلام العادل بين الأمم والشعوب. الحرب والسلام ظاهرة تقوم على قرارات يتخذها الإنسان بنفسه، وللحروب دوافع كثيرة وليس عدلًا لو قُلنا إن الحرب تحقق السلام، فالسلام يقوم على حل جميع المشكلات القائمة بين الدول وإزالة أسباب الصراع بينها أو التخفيف من حدتها، وبدلًا من توجيه الموارد المالية والثروات إلى مصانع الحروب والإنتاج الحربي فليتم توجيهها إلى المجهود العِلمي والتعليمي والطبي والاجتماعي والإنساني وتخليص الإنسان من براثن الفقر، وجميعها جهود سلمية تخدم الإنسان وتقضي على ظاهرة الحرب والدمار. والحرب ليست قوة قاهرة، بل هي قوة مُدمرة وقاتلة، فلا يمكن للقوة مهما كانت أن تقهر إرادة الصمود، ولن تضيف للمُدمر أي رصيد إيجابي، أما السلام فهو عمل ملحمي يُجسد عناصر القوة والوحدة والبناء، وهو نتاج قوة الروح الإنسانية وأخلاقها في الرُشد والتسامح والخير والمحبة والصلاح ونبذ العُنف والحرب والكراهية وتحقيق العدالة وإيصال حقوق الناس ونشر مبادئ الدين الحقيقية. ولنسأل، لماذا يقتل الإنسان أخاه الإنسان؟ ولماذا تغزو دول دولا أخرى؟ ومن أجل ماذا؟ لأجل السلطة أم السيطرة على الثروات ونهبها؟ فالبشر ليسوا بحاجة إلى أعداء، بل إلى صداقات تنمي الحياة، وهناك الكثير من المال والثروات والطعام الذي يكفي البشر لو تم توزيعه بالعدل بينهم ولا حاجة للحرب؛ لكل دولة مساحة شاسعة من الأراضي تكفي شعبها ولا حاجة لها للحرب لتمتلك أكثر؛ وهناك أكثر من شيء يمكن للدولة إنتاجه بدلا من إنتاج الأسلحة المُدمرة للحياة؛ ويقول “بينيامين فرانكلين” “لم تكن أبدا هناك حرب جيدة، ولم يكن هناك أبدا سلام سيئ”، وهذا سِر الخلاف بين الحرب والسلام.
إن الأوضاع العالمية تجعل مصالح جميع الشعوب تترافق وتتطابق في السعي إلى صياغة ثقافة وتربية على السلام كحتمية إنسانية وضرورة عملية لتطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني، وبالتالي على تجاوز حالات القصور التي أظهرتها المعالجات الدولية السابقة وانعكاساتها السلبية على أمم بأسرها.
وللإسهام في استقراء آفاق وتحديات القانون الدولي الإنساني، لا بد من التأكيد على أهمية تعزيز ثقافة السلم والسلام التي تمكننا من صياغة وعي كوني جديد، ومن تخريج أجيال إنسانية متشبعة بقيم التضامن البشرين لا تنتهك حقوق الإنسان، ولا تسكت على انتهاكها. وهنا، لا يسعنا إلا أن نؤكد على أن أسس ثقافة السلم والسلام موجودة في كل الديانات السماوية.
فلا غرابة، إذن، أن تسود الحروب والنزاعات تعاملات البشرية التي كابدت سبعة آلاف عام من الحروب، خلال تاريخها المكتوب، الذي لم يعرف إلا بضعة قرون من السلام، لم تكن، في واقعها، إلا هدنات. فشرط الإنسانية، البالغ الهشاشة، حكمته دائما، لعبة موازين القوي بين الدول والكتل المتناحرة و طبعته قسوة وعدوانية الإنسان على أخيه الإنسان.