اهمية إثر السياسات العامة على اداء الدولة في السودان ✍️ البروفسور: فكري كباشي الامين
ان دراسة السياسات العامة هى أحد الاتجاهات الحديثة نسبيا فى دراسات النظم السياسية والسياسية المقارنة، تكشف عن النظام السياسى وهو فى حالة حركة وتركز على مخرجاته. وأهمية تحليل السياسات العامة من الناحية الاكاديمية هى انها تساعد على فهم دينامكيات النظام السياسى والقوى المؤثرة فيه وتمكن من دراسة قدرات النظم السياسية وتأثيرها على اشباع حاجات الفئات المستهدفة. كما ان مفهوم السياسات العامة: ظهر كمفهوم علوم السياسات فى بداية الخمسينات وكان اول من استخدمه هو العالم الامريكى هارولد لا سويل. وتتناول هذه العلوم بصفة عامة الموضوعات المتصلة بعمليات اتخاذ القرارات الكبرى فيما يتعلق بالنظام العام.
وبالنظر الى نشأة الاهتمام السياسات العامة نجد ان الاهتمام التقليدي بعلم السياسة كان منصبا على البناء المؤسسى للحكومة والتبرير الفلسفى لوجودها. ومع تطور علم السياسة بعد الحرب العالمية الثانية انتقل التركيز من المؤسسات الى العمليات والسلوك، وهو ما استتبع دراسة الأسس الاجتماعية والنفسية للسلوك الفردى والجماعى وانماط سلوك الفاعلين السياسيين وتحت تأثير حركة مابعد السلوكية التى وجهت الباحثين نحو الاسهام فى حل مشاكل المجتمع عن طريق البحوث العلمية، كما نجد ان علم السياسة فى السنوات الأخيرة افرد حيزا كبيرا للسياسة العامة انواعها، محتواها، اعدادها، تنفيذها وتقييمها فى ضوء آثارها المتوقعة وغير المتوقعة على المجتمع وعلى النظام السياسى.
وقد ادى الاهتمام بتحليل السياسات العامة الى تغيرات هامة فى النقاط التى يرتكز عليها علماء السياسة.
الاولى: انها تنقل التركيز من المدخلات الى المخرجات، In-put out put , الثانية: انها تنقل التحليل من المستوى الكلى للسياسة macro politics الى التحليل الجزئى Micro politics .
وتعرفُ السياسةُ العامة في اللغةِ الإنجليزيّة بِمُصطلح (Public policy)، وهي عبارةٌ عن نظامٍ معينٍ تسعى الحكومة المحليّة في الدولة إلى تطبيقها، والتحقق من التزامِ الجميع فيه سواءً أكانوا أفراداً أم مؤسسات، وأيضاً تُعرفُ السياسةُ العامة بأنها برنامجُ عملٍ حكوميّ يحتوي على مجموعةٍ من القواعد، والتي تلتزمُ الحكومة بتطبيقها في المجتمع، ومن التعريفات الأخرى للسياسة العامة: هي مجموعةٌ من الاتجاهات الفكريّة التي تسعى الحكومة إلى تنفيذِ الهدف الخاصة بها، من خلال الاعتماد على مجموعةٍ من الوسائل والأدوات، وقد تشملُ السياسةُ العامة تقديم مجموعةٍ من الفوائد العامة، مثل: توفير طُرق نقل مناسبة مما يساهمُ في تقديمِ العديد من الخدمات للمجتمع.
وارتبطُ نشأةُ السياسة العامة مع بدايةِ ظهور الدول، والنظام الحكومي الذي يعتمدُ على دور المؤسسات الحكوميّة في تطبيق السياسة، وخصوصاً بعد انتهاء الحرب العالميّة الثانية، وحصول العديد من الدول على استقلالها، وساهم ذلك في توفيرِ مجموعةٍ من الاستراتيجيات التي ساعدتْ على تطبيقِ الخطط الحكوميّة بنجاح، والتي ركزتْ على دورِ الحكومة في بناءِ مجتمعٍ حضاريّ يوفرُ أُسس الحياة المناسبة للأفراد، ومن اهم خصائص السياسات العامة:
1. تحقيق المصلحة الشعبيّة؛ إذ تسعى السياسةُ العامة إلى ضمانِ تحقيق مصالح المواطنين بما يتناسبُ مع حاجاتهم، ويحافظُ على حقوقهم، لذلك لا تقتصرُ السياسةُ العامة على فئةٍ معينةٍ من الأفراد، بل تشملُ كافة فئات المجتمع.
2. تعتمدُ السياسةُ العامة على مجموعةٍ من الإجراءات المدروسة، والتي تساهمُ في تنفيذِ كافةِ الأهداف الخاصة بها.
3. تستخدمُ السياسةُ العامة مجموعةً من الموارد البشريّة، والطبيعيّة، والصناعيّة، والتي تساعدُ على ضمانِ الوصولِ إلى النتائج المطلوبة بنجاح.
4. تهتمُ السياسةُ العامة في الجمعِ بين كافة المؤسسات الحكوميّة، وتكليفُ كلٍ منها بمجموعةٍ من المهام والوظائف، التي تساعدُ على تطبيق السياسة العامة بنجاح.
ولذلك كلٌ هدفٍ من أهداف السياسة العامة يعتمدُ على مجموعةٍ من المعايير، والتي تقدمُ الأدوات المناسبة لتحقيق الأهداف بطريقةٍ صحيحة ويتم تطبيق السياسة العامة على مراحل تتمثل في الاتي:
1. تحديد السياسة العامة: هي المرحلةُ الأولى من مراحل السياسة العامة، ويتمُّ فيها تحديدُ طبيعة السياسة العامة التي ستطبقُ في مجتمعٍ ما، من خلال الاعتماد الربطِ بين الخُطط السياسيّة المكتوبة على الورق، والموارد المتاحة لتنفيذها، والواقع العام في المجتمع.
2. صناعةُ السياسة العامة: هي استخدامُ الخطة السياسيّة المناسبة لتنفيذها، من خلال الاستفادة من الموارد المتاحة، عن طريق صياغةِ مجموعةٍ من التوقعات، والاحتمالات التي تساعدُ على بناءِ سياسةٍ عامة بأسلوبٍ صحيح.
4. تنفيذُ السياسة العامة: هو التطبيقُ الفعليُّ للسياسةِ العامة في المجتمع، والتي تشملُ تنفيذ كافة الاحتمالات المطابقة للفكر السياسيّ العام.
5. متابعة وتقييم السياسة العامة: هي المرحلةُ الأخيرة من مراحل السياسة العامة، والتي تعتمدُ على التأكدِ من تنفيذ السياسة العامة، والبحثُ عن حلولٍ لأي أخطاءٍ قد تحدثُ أثناء عملية التنفيذ.
ومن المهم جدا ينبغي التنبية الى ان دولة السودان ينبغي تستشعر أهمية دراسة السياسات العامة كما في بقية الدول النامية حيث تكتسب منهاجيتها اهمية كبيرة حيث يكاد يتطابق فيها تعريف السياسة العامة مع نشاط الدولة لما تضطلع به الدولة من دور أساسي في المجتمع والسودان أكثر احتياجا الى الاساليب المنهجية التى يقدمها علم السياسات العامة والى الاساليب الفنية المرتبطة بهذه الدراسات. فحاجة الدولة الى التخطيط الاستراتيجى بعيد المدى والدور الاساسى للحكومة وللسياسات العامة فى تسيير شئون المجتمع وندرة الموارد الاقتصادية التى تجعل الإنفاق على أحد المجالات على حساب حرمان إشباع حاجات اساسية اخرى قد تتساوى أو تتعاظم اهميتها. وأثر ذلك على المسألة المتعلقة بشرعية النظام.
ووفق المنهج الذي تستند اليه الدراسة العلمية للسياسات يفترض التنسيق والتكامل بين المنظمات والأنشطة المختلفة وهي اشياء ترتبط بمرحلة معينة من مراحل التقدم الاجتماعى، كما ان مثل هذه الدراسة تطلب ان تتوافر فى المجتمع ثقافة سياسية ديمقراطية تسمح بتبادل وجهات النظر واحترام المصالح المتباينة وقبول الحلول غير التقليدية ولذلك كان لابد من التركيز على نشر هذه الثقافة الديمقراطية قولا وممارسة على ارض الواقع قبل الشروع في التنفيذ.
أ.د فكري كباشي الأمين