مقالات الرأي
أخر الأخبار

وقفة في محراب النيل ✍️ عادل عسوم

لعمري لا يتبين ادهاش هذا النيل الاّ الذي يقدر له رؤية أنهار هذا الكوكب، فيوقن بفوته وعلو شأنه…

يبتَدِرُ الخطوَ وئيدا من بحيرة فيكتوريا، ويشق طريقه متمهلاً في ارض المستنقعات الفسيحة، وان نظرت له من عل تجده يتلوى كثعبان أليف وهب جلده بطيب خاطر ٱلى أهل السودان يحيلوه حقائب تحمل فيها الحسان مقتنياتها، وأحذية تقي الرجال الرمضاء، وأحزمة وقبعات…

ويتبع سببا…

تلتقيه أنهار عن اليمين وعن اليسار، تضخ في إهابه الأمواه فيصبح نيلا أبيضاً تبرق وجنتاه تحت أشعة شمس النهارات المطيرة، ثم يتبع سببا…

واذا به كبنت عشرين ترنو بعينين دعجاوين لأزرق نبئت بلقائه عند الصخرة المقدسة التي يرقد عليها نبي الله الخدر عليه السلام…

وتتهياُ الدنا كلها للقاء الاسطوري والعناق البديع…

لإن تغنى الناس للعناق الذي نعلم؛ فإن عناق الأمواه لأمره عجيييييب…

وتتخلق (توتي) من بين يدي الكاف والنون، وتجهد بيديها وحقويها عساها تلطف من غلواء الأشواق المتقدة، ثم يصيحان في الآفاق:

والتقيناااااا…

ليس في طريق الجامعة كما غنى السارقون للثورات والمزورون لتاريخ السودان الحديث؛ إنما في طريق الإلفة والمحبة التي ستعقب هذه الحرب بحول الله، هذه الحرب التي فرضها على السودان هؤلاء الملاقيط ورفاقهم من شذاذ الآفاق من قحط واليسار…

وما ان يكتب الكتاب؛

تصطف الطيور على أشجار الصفتين تزف العروسين…

ثم يتبعان سببا…

يجتاز النيل بعنفوان الأزرق الدفاق وبهاء الأبيض الرقراق جنادلنا المتتالية وصولا الى أقاصي شمالنا الحبيب…

أقول:

لان نظم وغنى المبدعون فينا لهذا النيل ستبقى خالدة راحلينا التجاني يوسف بشير وعثمان حسين (في محراب النيل) شامة في سِفْرِ أشعارنا وأغانينا،

كم تاسرني هذه الماتعة يااحباب!!!

يالهذا اللحن القشيب لهذه القصيدة الرائعة البهية!

من اراد الاستيثاق فليأت بالقصيدة ويتناسى اللحن ثم يجهد في تلحينها!

لعمري انها قصيدة تتأبى على التلحين الا لمن آتاه الله تفردا وعبقرية، ويالها من كلمات باذخات، إنه قريض يسوق النفس سوقا إلى فضاءات بمد السماء،

ولعلي أقولها بملئ فِيَّ:

هذا العمل الفني لم يجد حظه من الانتشار،

انه عمل تكاملت فيه رصانة الكلمات، وادهاش اللحن، واتقان الأداء…

يبتدر راحلنا عثمان حسين بين يدي موسقة الكمنجات التي يحاكي سريان الأمواه…

ثم يأتي صوته المعتَّق ليقول:

انت يانيييييل في علو…

ويختمها ب (ياسليل الفراديس) في خفوت…

ويترى الأداء لينسرب في المفاصل النعس…

نَبِيلٌ مُوَفَّقٌ في مَسَابِكْ

بَيْنَ أَوْفَاضِكَ الْجَلالُ فمَرْحَى

بالْجَلالِ المُفِيضِ مِن أَنْسَابِكْ

حَضَنَتْكَ الأَمْلاكُ في جَنَّة الخُلْدِ

ورَفَّتْ علَى وَضِيءِ عُبَابِكْ

وأَمَدَّتْ عَلَيْكَ أَجْنِحَةً خُضْرًا

وأَضْفَتْ ثِيَابَها في رِحَابِك

فَتَحَدَّرْتَ فِي الزَّمَانِ وأَفْرَغْتًَ

عَلَى الشَّرْقِ جَنَّةً مِنْ رُضَابِكْ

بَيْنَ أحْضَانِكَ العِراضِ وفي

كَفَّيْكَ تارِيخُهُ وتَحْتَ ثِيابِكْ

مَخَرَتْكَ القُرُونُ تَشْمُرُ عَن سَاقٍ

بَعِيدِ الُخطَى قَوِيِّ السَّنَابِكْ

يَتَوَثَّبْنَ في الضِّفَافِ خِفَافاً

ثُمَّ يَرْكُضْنَ في مَمَرِّ شِعابِكْ

عَجَبٌ أنْتَ صَاعِداً في مَرَاقِيكَ

لَعَمْرِي أَوْ هَابِطَاً في انْصِبَابِكْ

مُجْتَلَى قُوَّةٍ ومَسْرَحُ أَفْكَارٍ

ومَجْلَى عَجِيبَةٍ كُلُّ مَا بِكْ

كَمْ نَبِيلٍ بِمَجْدِ مَاضِيكَ مَأْخُوذٌ

وكَمْ وَاقِفٍ عَلَى أَعْتَابِكْ

ذَاهِلاً يَكْحَلُ العُيُونَ بِبَرَّاقٍ

سَنَيٍّ مِنْ لُؤْلُؤيِّ تُرابِكْ

وصَقِيلٍ في صَفْحَةِ الماءِ فَضْفَاضٍ

نَدِيٍّ مُنَضَّرٍّ مِنْ إهَابِكْ

أيُّهَا النِّيلُ فِي الْقُلُوبِ سَلامُ

الخُلْدِ وَقْفٌ علَى نَضِيرِ شَبَابِكْ

أَنْتَ في مَسْلَكِ الدِّمَاءِ وفي

الأنْفَاسِ تَجْرِي مُدَوِّيًَا في انْسِيابِكْ

إنْ نُسِبْنا إلَيْكَ في عِزَّةِ الوَاثِقِ

رَاضِينَ وَفْرَةً عن نِصَابِكْ

أوْ رَفَلْنَا في عَدْوَتَيْكَ مُدِلِّينَ

عَلَى أُمَّةِ بِمَا في كِتَابِكْ

أَوْ عَشِقْنَا فِيكَ الجَلالَ فلَمَّا

نَقْضِ حَقَّ الذِّيَادِ عَنْ مِحَرابِكْ

أَوْ نَعِمْنَا بِكَ الزَّمَانَ فَلَمْ نَبْلُ

بَلاءَ الجُدُودِ في صَوْنِ غَابِكْ

adilassoom@gmail.com

ياسر كمال

مدير عام شبكة زول نت العالمية ومدير عام منظومة كونا التقنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى


انضم الى لقناة (زول نت) تلقرام

Buy Me A Coffee
لدعم الشبكة