صادر الإبل في ظل الظروف الراهنة ، ما بين مطرقة المليشيا و سندان المجموعات المسلحة ، و تعسف إجراءات الدولة – همس الحروف – ✍️ د. الباقر عبد القيوم علي

تعتبر تجارة الإبل بغرض التصدير من أبرز الأنشطة الاقتصادية الحيوية التي تساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني ، حيث تغذي خزائن الدولة بالنقد الأجنبي بطريقة مباشرة و واضحة ، حيث يتم توريد مبلغ 1100 دولار أمريكي عن كل رأس من الإبل في حساب حصيلة الصادر قبل تنفيذ العملية ، إلا أن هذه التجارة دخلت في حالة من الاضطرابات جراء الأحداث الراهنة التي تمر بها البلاد ، و ما يزيد من أزمة الموضوع هو أن مناطق إنتاج الإبل تقع في المناطق التي تسيطر عليها المليشيا ، مما أثر سلباً على الحركة الاقتصادية بوجه عام ، و على تجار الإبل على وجه الخصوص .
من أبرز القبائل التي تلعب دوراً مهماً في هذا القطاع هي قبيلة الرزيقات ، و هي القبيلة التي تتمتع بوجود قوي في مناطق إنتاج الإبل التي تُعتبر من المصادر الأساسية لهذا النشاط الحيوي ، إلا أن مشكلة الربط بين هذه القبيلة و المليشيات أصبح يشكل أزمة حقيقية تهدد بإلحاق ضرر بليغ بالمنتجين ، و لذا من الضروري الفصل بين هذه القبيلة و المليشيا ، من أجل السماح بتدفق الصادرات دون أي مشاكل و عوائق ، أما في حال استمرار الربط ، سيكون من الأفضل توقيف صادر الإبل إلى حين انتهاء هذا الظرف الاستثنائي ، حيث أن هذا الخلط بين هذه المعايير قد يؤدي إلى حالة من اللبس ستزيد من تعقيد المشهد التجاري بشكل غير مبرر .
من الحقائق الثابتة جداً ، أن غالبية صادرات الإبل تأتي من هذه المناطق التي تسيطر عليها المليشيا ، وهذه الحقيقة تفرض على الدولة مراعاة هذا الالتباس قبل اتخاذ أي قرارات قد تضر بالقطاع بشكل عام ، ومن هنا تبرز أهمية الفصل بين المليشيا و بين الأنشطة التجارية للقبائل المحلية ، مثل الرزيقات ، لإن ربط هذه القبيلة بالمليشيا يعوق سير التجارة ويؤثر سلباً على مصادر الدخل الوطنية الهامة ، صحيح أن معظم المقاتلين في صفوف المليشيا من هذه القبيلة ، إلا أنه من العمى أن يعمم هذا التصنيف ، فقبيلة الرزيقات من كبريات قبائل السودان ، فمن غير العدل إطلاق هذا التعميم على كامل القبيلة بناءً على تصرفات مجموعة صغيرة من الأفراد داخلها قبيلة الرزيقات ، كما ذكرت ، هي من قبائل السودان الكبرى والتي لها تاريخ طويل و مشهود في الوقوف مع الصف الوطني ، فمن المهم هو الفصل بين المليشيا التي قد تمثل فئة معينة والأفراد الذين ينتمون إلى تلك القبيلة بشكل عام ، فالمسؤولية تقع على المليشيا ككيان ، وليس على القبيلة بشكل جماعي .
و على الحكومة والمؤسسات المعنية أن تدرك أن قطاع تجارة الإبل لا يقتصر على العلاقة مع المليشيا فقط ، بل يشمل شبكة واسعة جداً من الأنشطة التجارية التي يجب أن تُراقب بشكل دقيق ، من الضروري توسيع آليات الرقابة ، خاصة و أن هذا القطاع يشكل جزءاً أساسياً من الأمن القومي الاقتصادي للدولة ، و لهذا يجب على الجهات ذات الاختصاص مثل مباحث التموين والأمن الاقتصادي أن تكون حاضرة لمتابعة حركة صادر الإبل في مختلف المناطق ، مع التأكد من عدم الخلط بين النشاط التجاري والمليشيا المسيطرة على معظم مناطق الإنتاج .
كما يتطلب الوضع الراهن زيادة الشفافية ، وتوضيح دور الذين يحملون السلاح و يمارسون نشاطاتهم خارج إطار حاكمية قوات الشعب المسلحة ، مثل القوات المشتركة وقوات أولاد قمري ، الذين يتدخلون في أحيان كثيرة في عرقلة عملية الصادر تحت ذرائع غير موثوقة ، من الضروري أن يتم وضع توجيه واضح و شفاف يحدد كيفية التعامل مع هذا الملف من الجهات ذات الاختصاص، بحيث لا تُتخذ فيه قرارات غير مدروسة قد تؤدي إلى تدهور الوضع الاقتصادي أو تعريض مصادر العملة الأجنبية لمزيد من الضغوط ، و خصوصاً يمكن للتجار أن يتبعوا الطريق الأسهل و الارخص لهم و هو تهريب قطعانهم عبر تشاد ثم إلى ليبيا ثم إلي أسواق مصر .
و لهذا من الواجب أن يعلم الجميع أن تجارة الإبل تُعتبر شرياناً أساسياً لدعم الاقتصاد الوطني و بصورة سريعة و مباشرة ، حيث تلعب دوراً مهماً في تعزيز حسابات النقد الأجنبي للبنك المركزي لذا يجب أن تتبنى الدولة سياسة متكاملة تأخذ بعين الاعتبار جميع العوامل المتداخلة من الأمن إلى التجارة ، دون أن تؤثر على استمرارية هذه التجارة أو تعيق تدفق الأموال إلى خزائن الدولة .
من المؤسف أن هنالك بعض التصرفات غير المدروسة من بعض أجهزة الدولة أدت إلى إلحاق أضرار بالغة ببعض أصحاب هذه الأنشطة التجارية في ظل الظروف الاستثنائية هذه التي تمر بها البلاد . من أبرز هذه الحالات ، توقيف 200 رأس من الإبل التي تعود ملكيتها لرجل من قبيلة الرزيقات ، و هو تاجر معروف له أكثر من 35 عاماً في تجارة الإبل عبر بوابة الولاية الشمالية. تعرض هذا الرجل لخسائر فادحة بسبب وشاية لا تستند إلى أدلة ملموسة ، حيث تجاوزت خسائره حتى يوم أمس 60 مليون جنيه سوداني ، أي بمعدل 2 مليون جنيه يومياً ، و الأمر الأكثر إيلاماً هو أن هذا الرجل قد تجاوز الثمانين من عمره ، و لم يكن جزءاً من أي نشاط مرتبط بالمليشيا ، بل كان و ما زال تاجراً يسعى فقط لتسيير أمور حياته و تجاراته كأي إنسان يسعى في حياته ، و من هنا تتجلى الأسئلة حول المسؤولية والعدالة في مثل هذه المواقف .
التوقيف المستمر لهذا القطيع حتى تاريخ كتابة هذا المقال بحجة ارتباطه بالمليشيا ، رغم عدم وجود أي أدلة حقيقية تدعم هذا الاتهام ، يثير تساؤلات مشروعة حول كيفية اتخاذ مثل هذه القرارات التي تضر بالاقتصاد الوطني و الفرد على حد سواء ، من هنا يجب أن تتخذ الدولة إجراءات عاجلة و شفافة للرد على هذه التساؤلات وتحديد المسؤوليات ، كما يجب دراسة إمكانية تعويض المتضررين عن الخسائر المالية التي تكبدوها و عن فاقد الوقت الذي ضاع بدون مبرر ، بالإضافة إلى تدهور صحة وحالة القطيع .
و كذلك في موضوع آخر تجدر الإشارة أيضاً إلى أن هنالك إحدى المجموعات المسلحة (جداً) ، و المتواجدة هذه الأيام بالولاية الشمالية و التى تحاول فرض سيطرتها في بعض الامور التي لا تخصها أبداً من قريب او من بعيد ، حيث قامت هذه المجموعة بتعد واضح ، و أوقفت 400 رأس من الإبل تعود ملكيتها لأحد تجار رومي البكري بحجة أن هذا القطيع له ارتباط بالمليشيا ، إعتماداً من هذه الجهة المسلحة على الحالة المزاجية . و لذا في ظل هذه الظروف ، يصبح من الضروري حسم هذه الفوضى والتعامل معها بحزم شديد ، و إن هذه التجارب القاسية يجب أن تحثنا على التفكير في أسبابها ، وأن نتجاوز أية تصنيفات ضيقة أو أيديولوجيات متصارعة ، نحن بحاجة إلى عمل وطني جماعي و موقف موحد يعزز من مصلحة الوطن ويُعيد الأمور إلى نصابها الصحيح ، بعيداً عن التأثيرات السلبية و تصفية الحسابات الشخصية التي قد تضر بمصالح الناس .
إن التصدي لهذه المعوقات يتطلب إرادة قوية ، و سلطة جرئية لا تخاف في الحق لومة لائم ، حتى يتم عبرها اتخاذ إجراءات عملية ملموسة ، تستطيع أن تعيد الاستقرار الاقتصادي إلى مساره الصحيح .
و الله من وراء القصد و هو الهادي إلى سواء السبيل