جهل مُطبق ومأساة مُعمقة: السودان في مواجهة تحدي عبدالرحيم دقلو ومشغليه – شئ للوطن – ✍️ صلاح غريبة

تطل علينا الأيام الأخيرة بخطابات لقائد ثانٍ لتمرد مليشيا الدعم السريع في السودان، عبد الرحيم دقلو، من مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، لتكشف عن عمق المأساة التي يعيشها السودان، وتؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه الحرب الدائرة ليست إلا صراعاً شخصياً وعائلياً مدفوعاً بأجندات خارجية لا تعبأ بمصير البلاد وأهلها. إن الفهم المتواضع والسطحي الذي يتبدى في حديث عبد الرحيم دقلو، وغياب أي رؤية حقيقية أو مشروع وطني، يضع السودانيين أمام تحدٍ تاريخي يتطلب منهم تجاوز هذه المحنة بوعي وإدراك لحقيقة ما يجري.
لقد خلت خطابات عبد الرحيم دقلو من أي عمق فكري أو رؤية استراتيجية يمكن أن تستلهم منها الجماهير أو تجد فيها مبرراً واحداً للانخراط في صفوف مليشياته أو التعاطف معها. لا يوجد في كلامه ما يوازي الخطاب الملهم لقادة حركات التحرر الأفريقي الذين استطاعوا بفكْرهم وقضيتهم أن يحشدوا شعوبهم نحو التغيير والتحرر، أمثال سانكارا ونيريري ولومومبا وغيرهم ممن تركوا بصمات واضحة في تاريخ القارة. بدلاً من ذلك، يستعرض دقلو جهلاً عميقاً بمتطلبات بناء “سودان جديد” يزعمه، دون أن يقدم أي تفاصيل أو ملامح لهذا السودان الموعود، أو حتى مبررات منطقية لأعمال القتل والنهب والاغتصاب التي ترتكبها قواته على نطاق واسع.
عندما يختزل الأمر في شعار باهت ومكرر: “سودان جديد يتعمر وسودان قديم يتدمر”، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: كيف سيكون مصير هذا “السودان الجديد” وقائده المفكر والمنظر هو عبد الرحيم دقلو بهذا المستوى من الضحالة الفكرية؟ إن هذا الشعار الفارغ من أي مضمون حقيقي لا يعدو كونه غطاءً لعمليات تدمير ممنهجة للمجتمع السوداني ومؤسساته، خدمةً لأهداف ضيقة لا تخدم مصلحة الشعب السوداني بأي شكل من الأشكال.
إن هذه الحقائق تضع مسؤولية مضاعفة على عاتق أهلنا في دارفور وكردفان تحديداً، وخاصة المستنيرين منهم. عليهم دور تاريخي كبير يتطلب منهم بذل قصارى جهدهم لتنوير الشباب وصغار السن الذين ربما تم التغرير بهم أو استغلال ظروفهم الصعبة. يجب عليهم أن يوضحوا لهم بجلاء أنه لا يوجد أي مشروع حقيقي لميليشيا الدعم السريع المتمردة سوى ما يتضح من حديث قائدها الثاني من جهل مطبق، وأن هذه المليشيا لا تخدم إلا أجندة قوى خارجية تستغل ضعف تفكير قياداتها لتحقيق مصالحها على حساب دماء السودانيين ووحدتهم.
إننا جميعاً كسودانيين، في كل مكان، نقف اليوم أمام تحدٍ حقيقي وكبير. لقد بات واضحاً أن هذه الحرب ليست حرباً من أجل قضية وطنية أو تغيير حقيقي، بل هي مجرد صراع على النفوذ والسلطة بين آل دقلو ومشغليهم من خارج الحدود، الذين لا يكترثون لتمزيق النسيج الاجتماعي السوداني وإدخال البلاد في أتون فوضى طويلة الأمد.
إن تجاوز هذه المحنة يتطلب منا جميعاً الوحدة والتكاتف والعمل بوعي ومسؤولية لكشف زيف هذه الحرب وأهدافها الخبيثة. علينا أن ننبذ خطاب الكراهية والفرقة، وأن نركز على بناء مستقبل سودان موحد ومزدهر، سودان يتسع لجميع أبنائه ويستلهم قيمه من تاريخه العريق وتطلعات شعبه نحو الحرية والعدالة والسلام. إن جهل قادة التمرد وعمق مأساة هذه الحرب يجب أن يكونا حافزاً لنا جميعاً للعمل بجد وإخلاص من أجل إنقاذ السودان من هذا النفق المظلم واستعادة مساره نحو الاستقرار والتنمية.