مقالات الرأي
أخر الأخبار

القوة معيار الاحترام والعدالة الدولية رهينة المصالح – ( في العمق ) – ✍️ هشام محمود سليمان

في عالم السياسة لا تصنع القرارات بناء على المبادئ المعلنة بل وفقا لموازين القوى والمصالح المتشابكة الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة لا تتعامل مع الأطراف الفاعلة في أي صراع سياسي إلا عندما تقتنع بأنه لا بديل لها لكنها قبل الوصول إلى هذه المرحلة تمارس كل أشكال الضغوط لاستنزاف الخصم وانتزاع أكبر قدر من التنازلات

هذا النهج ليس وليد اللحظة بل هو استراتيجية ثابتة في السياسة الدولية حيث يدار العالم وفق مبدأ القوة لا العدالة فمن يملك أوراق الضغط يستطيع أن يفرض شروطه بينما من يراهن على التفاهمات الدبلوماسية فقط دون امتلاك عناصر القوة يجد نفسه في موقف المتلقي الذي لا خيار أمامه سوى الاستجابة للإملاءات الخارجية

فحين نتحدث عن العلاقات الدولية لا يمكن تجاهل ظاهرة ازدواجية المعايير التي تعد إحدى أبرز أدوات إدارة النظام العالمي فالقوانين التي يتم تطبيقها على طرف ما تستثنى منها أطراف أخرى وفقا لميزان المصالح لا القيم الأخلاقية

نرى ذلك بوضوح في قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان تفرض العقوبات على دول بسبب انتهاكات مزعومة بينما يتم التغاضي عن انتهاكات أكبر إذا كان مرتكبوها من الحلفاء ترفع شعارات العدالة الدولية حين تكون في مصلحة القوى الكبرى لكنها تنسى حين يتعلق الأمر بحلفاء تلك القوى حتى لو ارتكبوا نفس الأفعال التي يعاقب بها الآخرون

في المشهد السوداني نجد أن القوى الدولية تدرك جيدا من يملك القرار الحقيقي لكنها لا تعترف به مباشرة بل تضعه تحت ضغط مستمر مستخدمة أدوات مثل العقوبات والتدخلات السياسية وتحريك أوراق الضغط الاقتصادية الهدف من هذه الاستراتيجية ليس تحقيق العدالة وإنما انتزاع أقصى قدر من التنازلات قبل الاضطرار للتعامل مع هذا الطرف كأمر واقع

هذه السياسة ليست استثناء بل هي القاعدة فمنذ عقود تتعامل القوى الكبرى مع الفاعلين السياسيين وفقا لهذا النهج سواء في الشرق الأوسط أو أفريقيا أو غيرها من المناطق يتم تجاهل أصحاب السلطة الحقيقية في البداية ثم تمارس ضدهم الضغوط لإضعاف موقفهم وحين يثبتون صمودهم يتم الاعتراف بهم والتفاوض معهم ولكن بعد أن يكونوا قد فقدوا بعض مكاسبهم نتيجة للضغوط السابقة

 

من ناحيه اخري نجد في السياسة لا مجال للعواطف أو التمنيات من يملك القوة يفرض نفسه على طاولة المفاوضات ومن ينتظر الاعتراف الدولي دون امتلاك عناصر القوة يظل على الهامش الدول التي تقبل أن تكون رهينة للضغوط الخارجية تفقد استقلال قرارها بينما الدول التي تفرض إرادتها هي التي تجد نفسها في موقع الشريك الذي يحسب له حساب

إن العالم لا يحترم إلا الأقوياء والعدالة الدولية ليست سوى أداة تستخدم حين تخدم المصالح ويتم تجاهلها حين تتعارض معها هذه الحقيقة مهما حاول البعض إنكارها تظل واضحة في كل مشهد سياسي قديما وحديثا

ياسر كمال

مدير عام شبكة زول نت العالمية ومدير عام منظومة كونا التقنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى


انضم الى لقناة (زول نت) تلقرام