ليلة القدر التجليات العرفانية والأنوار الإلهية – ( في العمق ) – ✍️ هشام محمود سليمان

ليلة القدر ليست مجرد ليلة مباركة تتنزل فيها البركات وتتضاعف فيها الأجور بل هي محطة روحية فارقة في رحلة الإنسان نحو المطلق حيث تنكشف فيها أسرار الغيب لمن أعد قلبه لاستقبال الفيض الإلهي إنها لحظة تتجلى فيها المعاني العرفانية وتتفتح فيها أبواب النور لمن استضاء قلبه بالصفاء والإخلاص

ليلة القدر ليست مجرد تاريخ في التقويم بل هي حالة روحية تتجاوز حدود الزمن المعتاد فهي تمثل لحظة استثنائية في سفر الروح حيث يكون العبد أقرب إلى رحمة الله وفتحه فمن أدرك حقيقتها أدرك أن ( القدر ) ليس مجرد ليلة في رمضان بل هو مقام روحي يناله من أخلص نيته وسعى إلى الله بصدق أما من حيث المكان فليست ليلة القدر محددة ببقعة جغرافية بل تتحقق حيثما كان القلب مستعدا لاستقبال النور فالعارفون يرون أن كل موضع يتنزل فيه الفيض الإلهي يتحول إلى فضاء مقدس حيث تصفو النفس وتتصل بالملكوت الأعلى

التنزل الإلهي وسر الروح:-

في مدرسة العرفان يفهم قوله تعالى ( تنزل الْملائكَة وَالروح فِيها ) على أنه إشراق للأنوار الإلهية على قلوب العارفين فالملائكة هنا ليست مجرد كائنات نورانية بل هي رمزية للقوى الروحية التي تحمل الفيض والمعرفة والروح هو سر من أمر الله يتنزل على أهل الصفاء والبصيرة

إنها لحظة يتلقى فيها العبد إشراقات الحكمة حيث تتجلى له حقائق كانت محجوبة وتنكشف له دروب السير إلى الله فكما أن الوحي كان يتنزل على الأنبياء في لحظات مخصوصة فإن الفيض الإلهي لا يزال يتنزل على قلوب أولياء الله وأهل العرفان في كل زمان

السلام حتى مطلع الفجر ميلاد النور وانقشاع الظلمة

قوله تعالى ( سلام هي حتّى مطْلع الفجر ) يحمل في طياته بعدا عرفانيا عميقا فهو يشير إلى لحظة اكتمال الصفاء الداخلي حيث يخرج السالك والسائر لله من دائرة القلق والاضطراب إلى حالة من السكينة والسلام الروحي فمطلع الفجر هنا ليس مجرد وقت زمني بل هو رمز لبزوغ النور في قلب العارف بعد طول المجاهدة

كيف يعيش الإنسان ليلة القدر عرفانيا؟ :-

———–

أ . التجرد من شواغل الدنيا فالليلة ليست لحظة انشغال بالماديات بل هي فرصة للارتقاء الروحي والتحرر من ثقل الغفلة

ب . الذكر والتأمل الدخول في حضرة الله عبر الذكر العميق والتفكر الصادق يفتح أبواب الفيض الإلهي على القلب

ج . طلب المعرفة الباطنية العارف لا يكتفي بالمعرفة الظاهرة بل يسعى إلى كشف أسرار الوجود والوصول إلى الحكمة الحقيقية

د . الانقطاع لله كما اعتكف النبي صل الله عليه وسلم في العشر الأواخر فإن السائر إلى الله يجعل من قلبه محرابا يتلقى فيه إشراقات الرحمة

في الختام فإن ليلة القدر ليست مناسبة دينية بل هي لحظة تحول روحي يمكن أن يعيشها الإنسان في أي وقت يتجلى له فيها النور الإلهي إنها ليلة القرب ليلة الفتح ليلة الولادة الجديدة للروح حيث يتحرر الإنسان من قيود الغفلة ليحيا في رحاب النور والسلام