
في اليوم العالمي للمياه لعام 2025، تبرز أهمية التفكير الجاد وإعادة التخطيط لإدارة الموارد المائية في السودان. حيث تعد المياه أحد العناصر الأساسية للحياة على كوكب الأرض، فهي لا تقتصر على تلبية احتياجات الإنسان من الشرب والطعام والزراعة، بل تشكل ركيزة رئيسية لاقتصادات الدول ونُظمها البيئية. وفي سياق هذا اليوم الذي يُحتفل به في 22 مارس من كل عام، يتوجه العالم للاحتفاء بالمياه العذبة والتأكيد على ضرورة تبني حلول مستدامة لإدارة هذه الثروة الحيوية. في هذا المقال نتعرض لهذه المناسبة المهمة وفرص السودان المتاحة للاستفادة من الموارد المائية في سياق إعادة الإعمار وبناء استراتيجيات الأمن المائي.
تركز الأمم المتحدة في احتفالات هذا العام على “الحفاظ على الأنهار الجليدية”، وهي مصدر رئيسي للمياه العذبة التي تمثل نحو 70% من المياه المتاحة في العالم. إلا أن هذا الموضوع يثير إشكالية أكبر تتعلق بإدارة المياه في العديد من البلدان، بما في ذلك السودان الذي يعاني من تحديات مائية متعددة في ظل الظروف الحالية حيث لا بد من العمل علي استدامة موارده المائية من خلال خطوات فاعلة وخطط واضحة تعزز الاستقرار وتعيد بناء قطاع المياه.
يأتي الاحتفال باليوم العالمي للمياه عادةً وفق موجهات عالمية تهدف إلى تعزيز الوعي بأهمية المياه وإدارتها المستدامة، حيث تُنظم فعاليات تُعنى بالتوعية بدور المياه الحيوي، وتشجيع التعاون الدولي، ودعم البحث في تقنيات المياه الحديثة، وطرح حلول مستدامة لمواجهة تحديات مثل الجفاف والتلوث. كما تشمل هذه الموجهات التثقيف المجتمعي عبر ورش ومحاضرات تهدف إلى رفع الوعي وترشيد استهلاك المياه. وهو ما لم يتم في السودان هذا العام نسبة لظروف الحرب وربما المناسبة نفسها قد طواها النسيان في ظل عدم الاستقرار السياسي والاداري وغياب التنسيق مع المؤسسات العلمية و البحثية ودول حوض النيل.
رغم هذه التحديات الداخلية، تظل هذه الموجهات ذات أهمية قصوى، إذ يمثل التركيز على إدارة المياه أولوية وطنية لا تحتمل التأجيل. ومع غياب الاحتفالات الرسمية في هذه السنة و في السنوات الأخيرة، يبقى الأمل معقودًا على أهمية استعادة هذه الأنشطة بمجرد استقرار الأوضاع، لضمان مستقبل مائي مستدام. إذ يُعتبر يوم المياه العالمي فرصة هامة لإعادة التفكير في استراتيجية إدارة الموارد المائية، خاصة في ظل الأزمات التي تشهدها بلادنا.
ويظل إشكالية استنزاف المياه الجوفية في السودان من القضايا المركزية التي تستدعي الاهتمام العاجل. تشير دراسات صادرة من وزارة الري والموارد المائية إلى أن أكثر من 60% من سكان السودان يعتمدون على المياه الجوفية كمصدر رئيسي للمياه والمقدرة ب 900 مليار متر مكعب من المياه النقية ضمن الحوض النوبي وحوض ام روابة ، مما يجعل حماية هذه المصادر من التلوث والنضوب أمرًا بالغ الأهمية. ولذا، يجب على الحكومة تكثيف جهودها لتفعيل التشريعات التي تحمي هذه الموارد الهامة، والحد من التلوث الناتج عن الحفر الجوفي الجائر وغير المدروس، الذي يعد أحد الممارسات المدمرة لمصادر المياه الجوفية مستقبلا.
إن الاحتفال بهذا اليوم يجب أن يكون دعوة للتعاون بين مختلف الجهات الحكومية، مثل وزارات الري والصحة والبيئة، وكذلك الهيئات المحلية مثل وزارة البنية التحتية بولاية الخرطوم، بهدف وضع خطط استراتيجية فعّالة لحماية الموارد المائية في السودان. كما يجب على الدولة تعزيز برامج التوعية والتدريب المتعلقة بالاستخدام المستدام للموارد المائية، مع ضرورة البحث عن حلول مبتكرة تضمن توفير المياه الصالحة للشرب لأكبر عدد ممكن من المواطنين، خاصة في المناطق الأكثر تأثرًا بالنزاع والاضطرابات. كما يجب الاستفادة ضمن برنامج إعادة الإعمار في تعزيز الوضع المائي المتعلق بمصادر المياه بالنظر لمشروعات حصاد المياه التي تساهم في دعم المشاريع التنموية وزيادة فرص استقرار السكان.
هذا وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة فإن اليوم العالمي للمياه لعام 2025 يمثل محطة مهمة لمراجعة سياسات إدارة الموارد المائية في السودان، والتفكير برؤية استراتيجية تضمن استدامة هذه الثروة الحيوية. فهو مناسبة لتجديد الالتزام الجماعي بالحفاظ على المياه باعتبارها حقًا إنسانيًا أصيلًا، والعمل على تأمينها للأجيال القادمة من خلال السياسات المنظمة والخطط الطموحة. كما تبرز الحاجة إلى مواصلة مشروعات حصاد المياه، واستئناف خطة “صفرية العطش” التي أُطلقت في 2016، لما لها من أثر بالغ في تحسين الأوضاع المعيشية في الريف السوداني، ودعم استقرار السكان، وتشجيع عودة النازحين، فضلًا عن توسيع الرقعة الزراعية و الرعي ، بما يسهم في تعزيز التنمية الريفية المستدامة.
دمتم بخير وعافية.
الثلاثاء 25 مارس 2025 م. [email protected]