
عندما بدأ الحديث عن الاستراتيجية كموضوع بعد مرور العشرة سنة الاولى من الألفية الثانية ظهر المؤسس بروفسير محمد حسين سليمان ابوصالح، الرجل الصالح، نعم صالح لانه لم يدرس علمه المهم في قاعات الدراسة في الجامعات بل خرج بعلمه لايصاله للجميع، وأعتقد أن هناك من اقتنع بالفكرة معه وبدأ بمجلس الوزراء إبان حكومة الإنقاذ، ثم وصل للقيادات في غالبية المجالات، الاقتصاد، الاجتماع وحتى الإعلام، بل حتى وضع الاستراتيجيات الشخصية، حتى أصبح الاهتمام بدراسة الاستراتيجية مثار اهتمام طلاب التعليم العالي بكل مستوياته، ولم يقف الأمر هنا بل تم تعينه وزيرا في ولاية الخرطوم لمساعدة الوزراء والمسؤولين للعمل وفق الاستراتيجيات والبرمجة زمنيا، وقد كنت من المحظوظين الذين نالو حظا من الدورات التدريبية على يد البروفسير ابوصالح، فاختلف تفكيري بعدها وبالتأكيد تغير تفكير الكثيرين..
المهم سادتي بعد أن هضمنا الفكرة وتأكدنا أن لدنا من الخبرات في كل المجالات ما يمكن من عمل استراتيجية للنهوض بالسودان. وقد سألت استاذي البروف ابوصالح بعد المحاضرة كيف استطاعت امريكا وقبلها أوروبا وغالبية الدول المتقدمة ان تعمل وفق استراتيجيات وقد كانت تعيش في فوضى وحروب وطبقات وتفرقه عنصرية؟ فقال إن ذلك تم بواسطة خبراء وأساتذة جامعات ولم تقم به الحكومات.
نعم سادتي، استغربت مثلكم لأن من انتشلوا تلك الدول من الهرجلة العامة لم تكن الحكومات ولا الاحزاب ولا النخب السياسية بل مجموعة من الخبراء والحكماء المستقلين، لم يكونوا من أصحاب الصراع المحموم للجلوس على كراسي الحكم، لم يمارسوا الاقصاء من أجل زيادة حصتهم في كيكة الحكم، لم يستند إلى جهة أو قبيلة لتحقيق فكرتهم، لم يحملوا السلاح من أجل أموالها، ولم يصلو للحكم على ظهر دبابة، ولم يرتموا في احضان الأجنبي من أجل الفوز بذلك الكرسي اللعين الذي اقعد السودان منذ الاستقلال وحتى كتابة هذه السطور.
سادتي الآن وبعد مرور سنين واتساع رقعة الحروب في السودان وانتشار الهرجلة لتطال كل شيء اي والله كل شيء عدا قوات الشعب المسلحة التي استطاعت أن تحافظ على السودان كبلد له سيادته، لم تكسرها هجمات أصحاب الغرض عليها، ولا التكالب العالمي للقضاء عليها، أو اضعافها لسنوات طويلة حتى الآن. حتى عندما حاولوا أن يوصفوها بأنها جيش الكيزان، كما فعلوا بالجيش الليبي واليمني والعراقي، نحمد الله أنهم لم يستطيعوا لقوة الجيش ولالتفاف الشعب حوله.. وفي ظل هذا الصراع المحتدم فلق الصباح وبدأ يتنفس صدر السودان عبر مجلس حكماء وعلماء وخبراء السودان؛ وهم مجموعة وضعت على عاتقها انتشال السودان والصعود به إلى مكانه الصحيح، وأعتقد أنه الطريق الصحيح فهم لا يسعون للحكم بل لوضع أساس للحكم القادم وليصبح السودان دولة مؤسسات وتبقى الدولة وتتغير الحكومات.
ونواصل في الطرح الاستراتيجي الذي عرضه مجلس الحكماء في مؤتمره الصحفي أمس بمدينة بورتسودان.