
وقفات، وتدبرات رمضانية.
العام 1446
اليوم الثاني
وقفة بين يدي آية الصيام 2/1
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة 183
تدبر هذه الآية الكريمة يشي ويوحي بالكثير الذي يجعل المتدبر يعكف على العديد من الآيات القرآنية الأخرى التي لها وصل بهذه الآية الكريمة ليتبين مواطن الالتقاء بينها وبين آية الصيام….
تبين لي أن الصيام يأتي بالرزق،
وبتفريج الكرب،
وبالتيسير،
وبعافية البدن والنفس والعقل…
أين الأدلة في كل ذلك؟
إليكم الإجابة:
في آية الصيام قال الله تعالى بأن الغاية الأولى من الصيام إعداد قلوب المؤمنين للتقوى (لعلكم تتقون)، فما هي المآلات والكسب من التقوى؟
إن اقصينا التقوى في كتاب الله نجدها السبب للكثير من (المفرحات) للمؤمن،
وأول ذلك:
تفريج الكرب والإيساع في الرزق.
لنقرأ معا هذه الآيات الكريمات:
{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} الطلاق 2، 3.
والتقوى سبب لتيسير الأمور:
قال الله تعالى:
{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} الطلاق 4.
وتزداد المكرمات الالهية فيجعل الله التقوى سببا لمغفرة السيئات وزيادة للحسنات:
يقول الله تعالى
{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} الطلاق 5.
ثم إن التقوى تكون سببا لقبول الأعمال: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} المائدة 27.
إذن أليس الأولى بنا البحث عن أفضل واقصر الطرق للوصول إلى هذه التقوى؟
لقد حسمت آية الصيام ذلك تماما…
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
الصيام يجعل من فيسيولوجبة الإنسان أقرب للملائكة النورانية التي لاتأكل ولا تشرب،
وللصائم دعوة لا ترد كما جاء في الحديث الشريف:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الْغَمَامِ وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ). رواه الترمذي، وصححه الألباني في “صحيح الترمذي”.
ويكفي الصوم شرفا أن يقول الحق سبحانه على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي وهو يتحدث عن سائر العبادات: (إلا الصوم فإنه لي، وانا اجزي به)!
لعمري انه تشريف عظيم للصوم!
ثم إن الصوم إذا أحسن المسلم الالتزام بآدابه المسنونة يمثل أرقى اشكال المعالجة بالجوع، وهذا الشكل من المعالجة أصبح مثار اهتمام الأطباء والعلماء منذ قرون، فالصيام ليس خاص بأهل الديانات الإبراهيمية الثلاث فقط، بل إنه من أقدم الميثيولوجيات في العالم، فبعيدا عن الموروثات الدينية هناك من كان -ومن لم يزل- يعتبره وسيلة لتهذيب النفس وتطهير الجسد من براثن ما يسمى بالمفسدات من غير المسلمين، وقد عرف القدماء الصيام واعتبروه وسيلة لتعزيز (الأنسنة)، وأداة ناجحة لتحرير العقل الإنساني من الأوهام، ووسيلة للوصول لذروة الإتقان الذهنى والتخلص من طغيان الجسد، ولعل من القصص الشهيرة علميا صيام الفيلسوف اليوناني أبيقور Epicurus -قبل الميلاد- أربعين يوماً ليؤدي الامتحان الكبير في جامعة الإسكندرية، وذلك لشحذ قواه العقلية وطاقة الإبداع عنده كما قال!.
وهناك ما ورد عن ابن سينا بأنه كان يعالج العديد من الأمراض بالصيام، ومن ذلك الزهري والجدري والأمراض الجلدية!
وعند اليونانيين كتب الطبيب السويسري بارسيلوس عام 1500 بأن فائدة الجوع في العلاج قد تفوق بمرات استخدام الادوية!.
وبالطبع يكفي المسلم ان يصوم وغايته تقوى الله، ولكن أيضا ثبتت فوائد جمة للصيام صحية وطبية تم اكتشافها على يد علماء وأطباء لايعرفون الاسلام أصلا، والمسلم بصومه يحصل على الخيرين معاً،
وقد لاحظت وجود بعض الكتابات تهاجم صيام المسلمين، ولكن عند سبري لغور أغلبها وعند التحقق من أصحابها والجهات التي تقف خلفها تبين لي الغرض الأساس من تلك الكتابات.
آمنت بالله
وإلى اللقاء في مقال اليوم الثالث إن شاء الله.