مقالات الرأي
أخر الأخبار

دارفور بين المأساة والازدواجية الدولية العدالة التي لن تأتي أبدا – في العمق – ✍️ هشام محمود سليمان .. الامين العام الاسبق لمفوضية حقوق الانسان

عادت دارفور مجددا إلى دائرة الاهتمام الدولي وهذه المرة عبر بوابة المحكمة الجنائية الدولية حيث قدم المدعي العام كريم خان إحاطة أمام مجلس الأمن تناول فيها تفاقم الأوضاع الإنسانية في الإقليم وسط مجاعة وصراعات دموية وجرائم مروعة تستهدف المدنيين ولا سيما النساء والأطفال غير أن هذا الخطاب الذي يعيد إنتاج سرديات قديمة يطرح تساؤلات عميقة حول الدوافع الحقيقية وراء هذا الاهتمام الدولي المتجدد ومدى جدية المجتمع الدولي في تحقيق العدالة بعيدا عن الانتقائية السياسية

دارفور مأساة مستمرة واستغلال سياسي:-

لا أحد ينكر حجم الأزمة الإنسانية التي تعصف بدارفور لكن توقيت الحديث المتجدد عن المحكمة الجنائية الدولية يثير الشكوك حول الأهداف الحقيقية الكامنة وراءه فمنذ اندلاع الصراع في الإقليم كان ملف دارفور حاضرا كأداة ضغط سياسي أكثر من كونه قضية عدالة حقيقية واليوم، بينما يتحدث كريم خان عن الجرائم المرتكبة هناك تكشف مواقف القوى الكبرى في مجلس الأمن ازدواجية واضحة في تطبيق العدالة فقد أكدت مندوبة روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا أن المحكمة الجنائية الدولية تفتقر إلى المصداقية بسبب انتقائيتها حيث تستهدف دولا بعينها بينما تغض الطرف عن جرائم كبرى ارتكبتها قوى عظمى وهذا التصريح يعيد إلى الأذهان السؤال الجوهري

لماذا تستخدم المحكمة كأداة سياسية بدلا من أن تكون منصة حقيقية لتحقيق العدالة للجميع؟

الانتقائية في العدالة الدولية:-

إذا كان الهدف الحقيقي للمحكمة الجنائية الدولية هو تحقيق العدالة فلماذا تقتصر الاتهامات على أطراف معينة دون غيرها؟ لماذا يركز كريم خان على المطالبة بتسليم عمر البشير وبعض المسؤولين السودانيين السابقين بينما يتم تجاهل الجرام التي ترتكبها مليشا الدعم السريع المسلحة المدعومة من جهات خارجية؟ ولماذا لم تتحرك المحكمة بنفس القوة لمحاسبة المسؤولين عن الفظائع التي ارتكبت في العراق وأفغانستان أو جرائم الحرب الإسرائيلية بحق المدنيين في غزة؟ هذا السلوك يكشف بوضوح أن العدالة الدولية ليست سوى أداة تستخدم لخدمة أجندات سياسية

وليس لتحقيق الإنصاف لضحايا النزاعات فالمحكمة التي تتحدث اليوم عن دارفور لم تحرك ساكنا عندما وقعت جرائم حرب في سوريا أو اليمن ولم تحاسب الدول الكبرى التي استخدمت القوة المفرطة ضد المدنيين في مناطق مختلفة من العالم

ازدواجية المجتمع الدولي:-

لطالما كانت ازدواجية المعايير إحدى السمات الأساسية للنظام الدولي فبينما يحاكم زعماء من دول إفريقية أو شرق أوسطية أمام المحكمة الجنائية الدولية تظل القوى الكبرى بمنأى عن أي مساءلة فعلى سبيل المثال رغم الأدلة الواضحة على ارتكاب الولايات المتحدة جرائم حرب في العراق وأفغانستان لم يقدم أي من مسؤوليها للمحاكمة وعلى المنوال ذاته لم تتحرك المحكمة الجنائية لمحاسبة المسؤولين الإسرائيليين عن عمليات القتل الجماعي والتدمير في الأراضي الفلسطينية المحتلة

إن هذا التباين في التعامل مع القضايا المختلفة يعزز الشكوك حول دوافع المحكمة الجنائية ويفسر سبب فقدانها للمصداقية لدى كثيرين خاصة في العالم النامي. فما يحدث في دارفور ليس استثناءً بل امتداد لنهج دولي يضع العدالة في خدمة المصالح السياسية

إلى أين تتجه الأمور؟ :-

في ظل هذا الواقع يبدو أن التلويح بإصدار أوامر اعتقال جديدة في دارفور ليس سوى جزء من تكتيك سياسي يستخدم عند الحاجة لفرض ضغوط معينة وإذا كان المجتمع الدولي جادا في إنهاء النزاع فعليه البحث عن حلول حقيقية تعالج جذور الأزمة بدلا من استخدام المحكمة الجنائية الدولية كوسيلة للضغط السياسي

إن الحل لا يكمن في الملاحقات القضائية الانتقائية بل في معالجة الأسباب الحقيقية للصراع بما في ذلك التهميش السياسي والاقتصادي وغياب التنمية والصراعات العرقية التي يتم استغلالها لتحقيق مكاسب سياسية فدون معالجة هذه المشكلات بشكل جذري ستبقى دارفور ساحة مفتوحة للصراع وستظل المحكمة الجنائية الدولية أداة تستخدم وفقا لمصالح القوى الكبرى

 

وفي الختام اقول ان العدالة التي لن تأتي أبدا

دارفور اليوم ليست مجرد ساحة صراع داخلي بل أصبحت ميدانا لصراعات المصالح الدولية وما لم يتغير النهج القائم على الانتقائية والاستغلال السياسي فإن الحديث عن العدالة سيبقى مجرد عار أجوف يرفع عند الحاجة ويسقط عندما تتعارض المصالح

إذا كان المجتمع الدولي جادا في تحقيق السلام فعليه أن يسعى لحل شامل وعادل لا أن يواصل استخدام معاناة الشعب السوداني كورقة في لعبة السياسة الدولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى


انضم الى لقناة (زول نت) تلقرام