مقالات الرأي
أخر الأخبار

مصر: مأساة الجالية السودانية القديمة في ظل الحرب الدائرة – شئ للوطن – ✍️ م.صلاح غريبة

تعتبر العلاقات المصرية السودانية من أقدم وأعمق العلاقات في المنطقة، وترتكز على روابط تاريخية وثقافية واجتماعية عميقة. وقد شهدت هذه العلاقات تقلبات عديدة عبر التاريخ، إلا أنها ظلت في مجملها قوية ومتينة. ومع ذلك، فإن الحرب الدائرة في السودان حاليًا قد ألقت بظلالها الكئيبة على هذه العلاقات، وأبرزت بشكل خاص معاناة الجالية السودانية القديمة في مصر.

تمتاز الجالية السودانية القديمة في مصر بتاريخ طويل وحضور بارز في المجتمع المصري. وهم أبناء وأحفاد السودانيين الذين قدموا إلى مصر منذ مئات السنين، وعملوا في مختلف المجالات، وخدموا مصر بكل أمانة وإخلاص. وقد كانت هذه الجالية تتمتع بوضع خاص، وتعتبر جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي المصري.

إلا أن الحرب الدائرة في السودان قد غيرت هذا الوضع تمامًا. فقد أدت إلى سحب العديد من الامتيازات التي كانت تتمتع بها الجالية السودانية القديمة، خاصة في مجال التعليم. فمع فرض رسوم باهظة بالعملة الصعبة على التعليم، أصبح من الصعب على الكثير من أبناء هذه الجالية مواصلة دراستهم، مما يهدد مستقبلهم ومستقبل أسرهم.

لطالما كانت مصر رائدة في مجال التعليم في السودان، وقد استفاد آلاف السودانيين من المنح الدراسية والبعثات التعليمية التي قدمتها مصر. وقد تخرج الكثير من السودانيين في الجامعات والمعاهد المصرية، وساهموا في بناء بلادهم.

ومع ذلك، فإن الحرب الحالية قد قطعت هذا الشريان الحيوي، وحرمت أبناء الجالية السودانية القديمة من حقهم في التعليم. فمعظم هذه الأسر تعتمد على الدخل المحدود الذي تحصل عليه من العمل في مصر او معاشات الجيل المؤسس، جيل الاباء والاجداد، ولا تستطيع تحمل تكاليف التعليم بالعملة الصعبة.

لقد كانت اتفاقية الحريات الأربعة التي وقعتها مصر والسودان في عام 2004 خطوة مهمة في تعزيز العلاقات بين البلدين، وقد ساهمت في تسهيل حياة الكثير من السودانيين المقيمين في مصر.

ولكن الحرب الدائرة في السودان قد أدت إلى تراجع تطبيق هذه الاتفاقية، مما زاد من معاناة الجالية السودانية القديمة. ولذلك، فإن من الضروري الحفاظ على هذه الاتفاقية، وتوفير الحماية الكاملة لأبناء هذه الجالية، وضمان حقهم في التعليم والعمل والإقامة.

إن الحرب في السودان ليست مجرد صراع مسلح، بل هي كارثة إنسانية سودانية تؤثر على حياة الملايين من الناس. ومن بين هؤلاء الضحايا، تبرز معاناة الجالية السودانية القديمة في مصر، والتي فقدت الكثير من حقوقها ومكتسباتها.

ولذلك، فإن من واجبنا جميعًا العمل على إنهاء هذه الحرب، وتوفير بيئة آمنة مستقرة للشعب السوداني، وضمان عودة العلاقات المصرية السودانية إلى سابق عهدها من القوة والمتانة. كما يجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته تجاه الشعب السوداني، وتقديم الدعم اللازم له للتغلب على هذه الأزمة.

ولهذا نوصي بالضغط على الأطراف ذات الشان في السودان للجلوس إلى طاولة المفاوضات وإنهاء الحرب، مع توفير الدعم الإنساني للشعب السوداني، وتقديم المساعدات الطبية والغذائية للمحتاجين، مع الحفاظ على اتفاقية الحريات الأربعة، وتوفير الحماية الكاملة لأبناء الجالية السودانية القديمة في مصر، وفتح المجال أمام أبناء الجالية السودانية القديمة للدراسة أو مواصلة الدراسة في الجامعات المصرية بنفس الشروط التي يحصل عليها الطالب المصري، بجانب معالجة إشكاليات التعليم العام لابنائهم، مع تفعيل دور المنظمات الدولية والإقليمية في دعم جهود السلام في السودان.

ختامًا، فإن معاناة الجالية السودانية القديمة في مصر هي بمثابة جرس إنذار يدعونا جميعًا إلى التحرك السريع والجاد لإنهاء هذه الحرب، وتوفير حياة كريمة للشعب السوداني.

وعذرا لاستخدام عبارة (جالية قديمة)، فالبعض يتحسس من هذا التفريز ، ولكن سياق توضيح المطالبة وشرح المطلوب، تطلب مني ذلك .

ياسر كمال

مدير عام شبكة زول نت العالمية ومدير عام منظومة كونا التقنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى


انضم الى لقناة (زول نت) تلقرام