المعاهدات الدولية بين القبول والرفض في دول العالم الإسلامي تحديات وحلول ✍️ هشام محمود سليمان .. الامين العام الاسبق لمفوضية حقوق الانسان
المعاهدات الدولية هي الركيزة الأساسية لتنظيم العلاقات بين الدول حيث تهدف إلى تعزيز السلم الأمن والتنمية العالمية إلا أن دول العالم الإسلامي تواجه صعوبات كبيرة في التعاطي مع هذه المعاهدات مما يؤدي إلى تباين واضح بين القبول والتحفظ أو الرفض هذه الديناميكية تعكس مزيجا من التحديات السياسية الثقافية والدينية التي تواجه الدول الإسلامية في علاقتها مع النظام الدولي
المعاهدات الدولية ضرورة أم تحد ؟:-
تنقسم مواقف دول العالم الإسلامي تجاه المعاهدات الدولية إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية:-
أ. القبول المشروط
يقبل العديد من الدول الإسلامية المعاهدات التي تحقق مصالحها ولكنها تشترط أن تكون بنودها متوافقة مع الشريعة الإسلامية والقوانين الوطنية مثال:-
اتفاقيات التجارة الحرة التي تعزز التنمية الاقتصادية ولكن دون المساس بالسيادة الثقافية والدينية
ب. الرفض أو التحفظ
هناك رفض لبعض المعاهدات التي تعتبر متعارضة مع تعاليم الإسلام أو مهددة للسيادة الوطنية
مثال: –
تحفظات الدول الإسلامية على بنود محددة في اتفاقية CEDAW المتعلقة بالمساواة بين الجنسين والتي يعتقد أنها تتعارض مع أدوار الأسرة التقليدية في الإسلام
ج . الاندماج الكامل
هذا الاتجاه أقل شيوعا حيث تسعى بعض الدول للاندماج الكامل في النظام الدولي بغض النظر عن التحديات الداخلية وغالبا ما يكون ذلك بدافع من الضغوط السياسه أوالاقتصادية
أسباب التباين في المواقف:-
1. الشريعة الإسلامية كأساس تشريعي:-
الدول الإسلامية تعتمد الشريعة الإسلامية كمرجعية أساسية وهو ما يجعلها ترفض أو تتحفظ على المعاهدات التي تتعارض مع مبادئها
مثال:-
رفض دمج الشريعة الإسلامية مع قوانين دولية تتعلق بالميراث أو الطلاق
2 . الإرث الاستعماري وازدواجية المعايير الدولية:-
التاريخ الطويل من الاستعمار جعل الدول الإسلامية متشككة في نوايا القوى الكبرى خاصة أن بعض المعاهدات تظهر ازدواجية في تطبيق القوانين الدولية
مثال: –
التعامل مع القضايا الفلسطينية أو ازدواجية تطبيق القانون الإنساني في مناطق النزاع
3 . غياب التوازن في صياغة المعاهدات:-
المعاهدات الدولية غالبا ما يتم تصميمها من قبل الدول الكبرى دون إشراك فعلي للدول الإسلامية في عملية الصياغة مما يؤدي إلى انعدام الشعور بالملكية تجاه هذه الاتفاقيات
4 . تحديات السيادة الوطنية:-
تُعتبر السيادة الوطنية هاجسا أساسيا حيث ترى بعض الدول أن الانضمام لبعض المعاهدات يفتح الباب أمام التدخل الأجنبي في شؤونها الداخلية
الحل الأمثل للتعاطي مع المعاهدات الدولية:-
لتجاوز التحديات وتحقيق التوازن بين الالتزامات الدولية والمصالح الوطنية والدينية يمكن تبني الحلول التالية:-
ا . التعاون الإقليمي والإسلامي
تشكيل موقف موحد بين الدول الإسلامية عبر منظمات مثل منظمة التعاون الإسلامي لتنسيق المواقف تجاه القضايا الدولية
ب . دعم المفاوضات المشتركة التي تعبر عن تطلعات الدول الإسلامية وتوحيد جهودها في الساحة الدولية
ج . التفاوض المشروط:-
التأكيد على الالتزام بالمعاهدات التي تتوافق مع القيم الإسلامية مع رفض أي بند يتعارض مع الشريعة وتعزيز المشاركة في صياغة المعاهدات لضمان تمثيل مصالح العالم الإسلامي
د . التثقيف والتوعية:-
توعية الشعوب حول أهمية المعاهدات الدولية وكيفية تأثيرها على حياتهم اليومية
ه. . بناء القدرات القانونية والدبلوماسية لتدريب مفاوضين محترفين قادرين على الدفاع عن القضايا الإسلامية
و . المطالبة بالعدالة الدولية:-
الدعوة إلى إصلاح النظام الدولي لضمان العدالة في تطبيق القانون الدولي ورفض ازدواجية المعايير من خلال
المطالبة بتعزيز الشفافية والعدالة في صياغة المعاهدات لضمان مصالح الجميع
تواجه دول العالم الإسلامي هذه تحديات المعقدة في علاقتها بالمعاهدات الدولية
لكن الحل لا يكمن في القبول الأعمى أو الرفض المطلق التوازن بين الانخراط في النظام الدولي وحماية الهوية الإسلامية يتطلب موقفا موحدا تفاوضا ذكيا ورؤية بعيدة المدى إن الإصلاح الحقيقي يكمن في تحويل هذ المعاهدات من أدوات للهيمنة إلى وسائل للعدالة والتنمية المشتركة بما يخدم مصالح الدول الإسلامية ويعزز من مكانتها على الساحة العالمية