الأحزاب السياسية السودانية وأثرها في تعقيد الأزمات وتعميق الانقسامات الاجتماعية ✍️ هشام محمود سليمان
لطالما كانت الأحزاب السياسية في السودان جزءا أساسيا من المشهد السياسي والاجتماعي حيث لعبت دورا كبيرا في تشكيل السياسات العامة وصياغة مستقبل البلاد ومع ذلك كان لهذه الأحزاب تأثيرات سلبية أحيانا على العلاقات الاجتماعية فبدلا من أن تساهم في وحدة المجتمع غالبا ما ساهمت في تعقيد الأزمات وتعميق الانقسامات بين فئات الشعب السوداني من خلال تباين أيديولوجياتها ومصالحها الحزبية دخلت الأحزاب السودانية في مماحكات سياسية ألقت بظلالها على التفاعلات الاجتماعية وساهمت في تأجيج الأزمات المتلاحقة
التنافس الحزبي وتفاقم الانقسامات الاجتماعية:-
كان التنافس الحزبي في السودان محورا رئيسيا في السياسة حيث يتعدد وجود الأحزاب السياسية التي تتبنى رؤى وأيديولوجيات متباينة هذا التنافس بدلا من أن يسهم في تطوير السياسات العامة أو تعزيز الممارسة الديمقراطية غالبا ما تحول إلى صراع حاد بين القوى السياسية المختلفة الأحزاب بدلا من التوافق على المصالح الوطنية العليا تجد نفسها غارقة في معارك سياسية قائمة على الإقصاء والتهميش مما يؤدي إلى تقسيم المجتمع بين مؤيدين ومعارضين هذه الانقسامات تجعل العلاقات بين الأفراد داخل المجتمع تتسم بالعداء والتوتر فتتفاقم الأزمة بدلا من حلها
السياسات الحزبية وتعميق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية:-
من أبرز أوجه تأثير الأحزاب السودانية في تعقيد الأزمات الاجتماعية هو السياسات الاقتصادية التي تتبعها هذه الأحزاب بمجرد وصولها إلى السلطة على مدار تاريخ السودان الحديث تبنت الأحزاب السياسية سياسات اقتصادية متباينة ففي فترة من الفترات طبقت الأحزاب ذات التوجهات الاشتراكية سياسات قومية ومركزية شملت تأميمات واسعة بينما تبنت الأحزاب الليبرالية سياسات الانفتاح الاقتصادي والخصخصة هذا التذبذب في السياسات لم يساعد في تحقيق الاستقرار الاقتصادي بل ساهم في زيادة الفجوة بين الفئات الاجتماعية كما أدت السياسات الحزبية غير المدروسة إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة مما ساهم في تعميق الأزمات الاجتماعية وأدى إلى تفاقم معاناة المواطن السوداني
الاستقطاب الحزبي: تقويض الوحدة الوطنية:-
من العوامل التي ساهمت في تعميق الانقسامات في المجتمع السوداني هو الاستقطاب الحزبي الذي يطغى على الحياة السياسية للأحزاب السودانية بدلا من أن تعمل على تعزيز الوحدة الوطنية أصبحت مصدرا للصراع بين مختلف المكونات الإثنية والسياسية فكل حزب سياسي أصبح يمثل فئة أو مجموعة معينة مما زاد من تباعد العلاقات بين هذه الفئات في بعض الأحيان تصبح الولاءات الحزبية أكثر أهمية من الولاءات الوطنية ويظهر ذلك بوضوح في المناوشات السياسية التي تمزق المجتمع بدلاً من توحيده
التأثير على الحريات والحقوق المدنية:-
تؤثر الأحزاب السياسية في السودان بشكل مباشر على مستوى الحريات والحقوق المدنية في ظل الصراعات السياسية المستمرة غالبا ما تم تقييد الحريات الأساسية وحقوق الإنسان من قبل القوى السياسية المتصارعة وذلك إما عن طريق فرض الرقابة أو تقليص مساحة التعبير السياسي الأحزاب الحاكمة في فترات معينة قد تساهم في قمع المعارضة السياسية والإعلامية مما يخلق بيئة من الخوف والقلق بين المواطنين هذا الجو من القمع يضعف الثقة بين الأفراد ويحول العلاقات الاجتماعية إلى علاقات قائمة على الحذر والحيطة
المشاركة السياسية والتحديات الاجتماعية:-
في بعض الأحيان تدعو الأحزاب السودانية إلى المشاركة السياسية والنضال من أجل تحسين الأوضاع لكن غالبا ما تحرف هذه الدعوات نحو تحقيق مصالح حزبية ضيقة بدلا من أن تعمل الأحزاب على تعبئة الجماهير حول قضايا التنمية والبناء تجد نفسها في صراع مستمر على السلطة مما يحول المشاركة السياسية إلى أداة من أدوات الصراع الحزبي هذه المشاركة الحزبية السطحية تؤدي إلى زيادة التشظي في المجتمع السوداني وتحول العمل السياسي إلى مجرد تصفية حسابات بين القوى المختلفة
الأحزاب ومفاقمة الأزمة السياسية:-
لقد لعبت الأحزاب السودانية دورا كبيرا في تعميق الأزمة السياسية التي يمر بها السودان من خلال مماحكاتها المستمرة حول السلطة والتهرب من المسئوليات الوطنية تقاعست العديد من الأحزاب عن تحقيق التوافق السياسي الضروري الأحزاب بدلا من التركيز على حلول عملية للأزمات الداخلية أصبحت مصدرا للصراعات السياسية التي ساهمت في استمرار حالة عدم الاستقرار وزيادة الاحتقان بين القوى السياسية هذا الوضع أدى إلى مزيد من الأزمات الأمنية السياسية والاجتماعية
الأحزاب السودانية بين التأجيج والحل:-
من خلال استعراض دور الأحزاب السياسية السودانية في الحياة الاجتماعية والسياسية يمكن القول إن هذه الأحزاب قد ساهمت بشكل كبير في تعقيد الأزمات الاجتماعية والسياسية بدلا من أن تكون عاملا في حلها مماحكاتها المستمرة وتراكم الانقسامات بينها وتباين سياساتها الاقتصادية والاجتماعية ساعدت في خلق بيئة من الاستقطاب والتوتر في المجتمع لذا من الضروري أن تعمل الأحزاب السودانية على مراجعة سياساتها وتوجهاتها وأن تسعى إلى تجسير الفجوات بين مختلف فئات المجتمع وتفعيل الحوار الوطني بشكل جاد من أجل إيجاد حلول شاملة تسهم في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي في السودان