مقالات الرأي
أخر الأخبار

نظرية الفوضى الخلاقة Creative Chaos Theory  – ✍️ البروفيسور : فكري كباشي الامين العربي

يمثل مصطلح الفوضى الخلاقة احد أهم المفاتيح التي انتجها العقل الاستراتيجي الأمريكي في التعامل مع القضايا الدولية … حيث تم صياغة هذا المصطلح بعناية فائقة من قبل البحث الامريكية … ويقصد به ان تكون هناك حالة سياسية بعد مرحلة فوضى متعمدة الأحداث يقوم بها أشخاص معينين بدون الكشف عن هويتهم والهدف من ذلك تعديل الامور لصالحهم أو تكوين وإنشاء حالة إنسانية مريحة بعد مرحلة فوضى متعمدة من قبل أشخاص معروفين من أجل مساعدة الاخرين في الاعتماد على أنفسهم ….

وتعتبر وزيرة الخارجية الأميركية ( كونداليزا رايس ) اول من استخدم هذا المصطلح في العام ٢٠٠٥م أثناء لقاء مع جريدة الواشنطن بوست الامريكية حيث إفصحت رايس عن نية الولايات المتحده في نشر الديمقرطية بالعالم العربي وتشكيل ما يعرف ( الشرق الأوسط الجديد ) .. عبر نشر الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط عبر الإدارة الأمريكية … أن حاولنا التمعن فيما يدور الآن في السودان من حرب لعينة وتطورها المفاجيء باستهداف المنشآت المدنية والتي بدأت بسد مروي في أقصى الشمال واخيرا سدي سيتيت وخشم القربة بأقصى شرق السودان وهي تعتبر من المناطق الآمنة والتي نزح إليها معظم سكان كل مناطق العمليات العسكرية وإذا أعملنا التفكير العميق والمتاني نجد أن تطور مجريات هذه الحرب اللعينة في هذا الاتجاه ببعيد عن مالات ودلالات مشروع الشرق الاوسط الجديد والذي وضعة كدراسة د. برنارد لويس لتقسيم الدول العربية والإسلامية، والذي صادف هوى للعديد من القادة في الدول الكبرى كما وجد التأييد والحماس من بقية الدول الفاعلة في العالم، والذين سعوا إلى تحويله من مجرد تأمل أو عصف فكري إلى واقع عملي ملموس. ولد برنارد لويس في لندن عام 1916، وهو مستشرق بريطاني الأصل، يهودي الديانة، أمريكي الجنسية. تخرج من جامعة لندن، وعمل فيها مدرساً في قسم التاريخ للدراسات الشرقية الإفريقية, بدأ المؤرخ برنارد لويس بوضع مشروعه الشهير الخاص بتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية جميعا كلا على حدة، ومنها العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وإيران وتركيا وأفغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج ودول الشمال الإفريقي …الخ، وتفتيت كل منها الى مجموعة من الدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، وقد أرفق بمشروعه المفصل مجموعة من الخرائط المرسومة تشمل الدول المرشحة للتفتيت.

كان يرى أنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية الى وحدات عشائرية وطائفية، وإعادة هيكلةو دول المنطقة على أن تكون المهمة المعلنة هي تدريب شعوبها على الحياة الديمقراطية، والعمل على استثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية

والواقع أن مشروع برنارد لويس هو الأكثر جدية وعملية في آن واحد، كما أن مرتكزاته الفكرية خطيرة ، وتلعب على الأوتار المذهبية والطائفية بناء على فهم عميق من مفكر ضليع في فهم النفسية الإسلامية، ومن خلال قراءة واعية للتاريخ الإسلامي, وبالتركيز على مثلث القوة العربي العراق وسوريا ومصر، فضلا عن دول الأطراف السودان واليمن والمغرب.

وقد يرى البعض أن هذا المشروع مثل غيره مجرد تخيلات فكرية يقوم بها باحث أو دارس ليس له علاقة بطبيعة الأوضاع في الشرق الأوسط، غير أن المعطيات التي جرت بدءا بتقسيم السودان،وتسارع وتيرة تقسيم اليمن، فضلاً عن دخول مشروع تقسيم العراق مرحلة واقعية، وتفجّر الأزمة السورية، وتداعياتها في لبنان، قد نبّه كثيرون إلى جدية، وواقعية، وعملية مشروع برنارد لويس لتقسيم دول الوطن العربي والتي سيكون اسمها الجديد الشرق الأوسط الكبير.ولاكتمال الصورة المستقبلية للشرق الأوسط، فان عناصر ثلاثة يتوجب توفرها بشكل متلازم مع الوجودين العسكري والأمني:

(أ) تغيير التركيبة السياسية القائمة في معظم دول العالم الإسلامي لتصبح مبنية على مزيج من آليات ديمقراطية وفيدراليات إثنية أو طائفية، وهذا هو جوهر المشروع.، فالديمقراطية لو تحققت دون التركيبة الفيدرالية، يمكن أن توجد أنظمة وحكومات تختلف مع الإدارة أو الرؤية الأمريكية، كما أن إثارة الانقسامات الإثنية أو الطائفية، دون توافر سياق ديمقراطي ضابط لها، يمكن أن يجعلها سبب صراع مستمر يمنع الاستقرار السياسي والاقتصادي المنشود بالرؤية الأمريكية، إضافة إلى أن التركيبة الفيدرالية القائمة على آليات ديمقراطية ستسمح للولايات المتحدة بالتدخل الدائم مع القطاعات المختلفة في داخل كل جزء من ناحية، وبين الأجزاء المتحدة فيدرالياً من ناحية أخرى.

(ب) التركيز على هوية شرق أوسطية كإطار جامع للفيدراليات المتعددة المنشودة، إذ بحضورها الفاعل تغيب الهويتان العربية والإسلامية عن أي تكتل إقليمي محدود أو شامل.

(ج) ضرورة إنهاء الصراعات المسلحة، ووقف أي أعمال مسلحة سواء أكانت تحت شعار مقاومة الإحتلال الإسرائيلي، أم ضد التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة ومن ضمن الدول التي شملها مشروع برنارد لويس للتفتيت:

1. السودان، التي تقسم الى أربع دويلات، للنوبة، والشمال السوداني الإسلامي، والجنوب السوداني المسيحي، ودويلة دارفور.

2. دول الشمال الإفريقي، يتم تفكيك ليبيا والجزائر والمغرب بهدف إقامة دويلة البربر، ودويلة البوليساريو، والباقي دويلات المغرب والجزائر وتونس وليبيا.

3. العراق، تفكيك العراق على أسس عرقية ومذهبية، فتنشأ دويلة شيعية في الجنوب حول البصرة، ودويلة سنية في وسط العراق حول بغداد، ودويلة كردية في الشمال.

4. سوريا، تقسيمها الى أقاليم متمايزة عرقيا أو دينيا أو مذهبيا، فتنشأ دويلة علوية على امتداد الساحل، ودويلة سنية في منطقة حلب، وأخرى سنية حول دمشق، ودويلة الدروز على أجزاء من سوريا ولبنان.

كما سبق وان اشرت الى ان هذا المشروع مثل غيره مجرد تخيلات فكرية يقوم بها باحث أو دارس ليس له علاقة بطبيعة الأوضاع في الشرق الأوسط، ولكن ذلك لا ينفي وجود مخططات أجنبية لتقسيم الوطن العربي لا يخفي حقيقة وجود عوامل داخلية تشجع على تمرير وتنفيذ هذه المخططات، فاللعب على النعرات الطائفية أو الخلافات المذهبية لا يمكن أن يتحقق إلا في وجود عناصر ومؤثرات تدفع في اتجاه التفتيت والتقسيم والترهل في بنية الدولة، ولا يزال هناك امل في الوقوف في وجه تلك المخططات ومقاومتها من خلال اعتماد أسس بناء الدولة الحديثة،وحماية مقومات الدولة الوطنية المستقلة التي صارت كما نشاهد ونرى ونتلمس بانها تتعرض إلى كافة أشكال الهدم والتقويض.

ومن ثم فإن بناء المجتمع العربي الديمقراطي، وإقرار مبادئ العدالة الاجتماعية، وحماية حقوق الإنسان تشريعيا وتنفيذيا، والحرص على تطوير التعليم، وتشجيع البحث العلمي واخضاع مشروع الشرق الاوسط الجديد والذي وضعة كدراسة د. برنارد لويس للتحليل والتشريح والنقد العلمي من قبل الاكاديمين والمختصين والمهتمين وطرح البدائل ، وهذه كلها تعتبر اهم المقومات أساسية لبناء الدولة العربية الحديثة، التي تعلي من شأن مبدأ المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، وترسخ قيم سيادة القانون.

البروفسيور . فكري كباشي الامين العربي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى


انضم الى لقناة (زول نت) تلقرام