مقالات الرأي
أخر الأخبار

العدالة أولاً ، لا للانتقام في زمن الانتصار – همس الحروف – ✍️ د. الباقر عبد القيوم علي

في ظل الأحداث الحالية والفرحة التي يتشاركها جميع أفراد الشعب السوداني بتحقيق الانتصارات التي أثلجت صدور كل الناس ، باستعادة بعض المناطق ، و التي كانت ضربة بدايتها من سنجة ثم مدني و الجيش يتقدم محرراً كل شبر دنسته المليشيا ، ففي مثل هذه الظروف من الواجب علينا ألا نسمح لأنفسنا بأن نُفسد فرحتنا بممارسات قد تسيء إلى سمعتنا وتتنافى مع مبادئ العدالة واحترام الإنسانية ، صحيح لن يستطع أحد من الناس أن يمحو من ذاكرته الصور الذهنية المرعبة التي إرتكبتها المليشيا في حقنا و نحن شعب أعزل ، من جرائم ما يعجز اللسان عن وصفها ، و لكن لا بد لنا من التذكير بمبادئنا الدينية و الإنسانية التي تحكم سلوكنا العام في مثل هذه الظروف العصيبة ، فإن المسلم لا يليق به أن يرد الإساءة بالإساءة ، ولا يحق له أن يمارس أساليب الانتقام التي تلوث الضمير و تخالف قيم الإنسانية .

 

نرجو من الجيش و من كل الذين يقاتلون بإسمه أن يعلموا يقيناً بأن جيشنا جيش إحترافي ، و مهني ، و عزيز ، و يحترم قواعد الإشتباك و حقوق الإنسان ، و يجب أن يتذكروا و هم يحققون الإنتصار تلو الإنتصار ، أن الذي يتم القبض عليه من الأعداء حياً ، ينبغي أن يكون في الأسر ، وألا يطاله القتل الوحشي أو التشفي بغرض الإنتقام . نحن نمتلك جيشاً مهنياً ، و لهذا يجب أن يعلم الجنود في الميدان أن الإنتصار لا يتوقف على القوة العسكرية فقط ، بل على أخلاقنا ومبادئنا ، صحيح أن ما فعلته المليشيا لا يمكن لأحد أن ينساه ، ولكن ديننا وأخلاقنا يمنعاننا من أن نكون مثلهم في سلوكهم الوحشي .

 

صحيح ان قلوب جميع أفراد الشعب يملؤها تجاه أعدائنا ، الذين نكلوا بنا قتلا و سحلاً و إغتصاباً و تهجير قسري ، و لكن الانتقام ليس هو الحل ، وإنما هو حافز لمزيد من الكراهية و الدمار ، و العفو والرحمة هما السبيلان إلى تحقيق العدالة وإعادة بناء الثقة بين أبناء الشعب الواحد ، ونحن اليوم ، أكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى أن نُظهر للعالم أننا لا نرد على الوحشية بالوحشية ، بل نرد على التدمير بالبناء، وعلى العنف بالرحمة .

 

إن ما جرى من توثيق لمشاهد تشفٍ وابتذال في تعامل بعض عناصر الجيش مع الأعداء يعد تصرفاً غير لائقاً بالإنسان ، و يرفض ذلك العقل السليم و الفطرة الإنسانية القويمة ، إننا نعلم تماماً أن الجيش السوداني يمتلك من الاحترافية والمهنية ما يميزه كجيش محترم بين جيوش العالم ، لكن ما حدث من تصرفات بعض الأفراد سيترك آثاراً سلبيةً على صورة الجيش أمام المجتمع الدولي .

 

و إن هذا النوع من السلوك لا ينسجم مع قيمنا الدينية و الإنسانية التي ترفض التشفي والتعذيب بأي شكل كان ، و مهما كانت المبررات ، و لماذا يتم توثيق هذه المشاهد .. أليس هذا السؤال يفرض نفسه ؟ ، إن المشاهد التي تم توثيقها ، و بثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ستؤثر سلباً على صورة الوطن و الجيش معاً و سينعكس ذلك علينا كشعب ، و ون هذا السلوك المنحرف قد يدفع المجتمع الدولي إلى التشكك في نوايانا و مدى التزامنا بالقوانين الدولية لحقوق الإنسان ، و قد تؤلب علينا المنظمات الدولية التي تراقب الانتهاكات الإنسانية .

 

إننا بحاجة ماسة إلى أن نكون قدوة للعالم أجمع في الالتزام بالقيم الإنسانية ، وأن نعمل على إزالة التشوهات في الممارسة ، و ألا نكرر حرفياً التصرفات الوحشية التي إرتكبتها المليشيا في السابق ضدنا ، و لذا من الواجب علينا الإلتزام بالمعايير الأخلاقية ، يجب أن نُظهر للعالم أننا جيش محترف ، ملتزم بماديء ديننا الحنيف ، و بالقوانين المحلية و الدولية ، و نؤكد للعالم بأننا نسعى إلى تحقيق السلام و الاستقرار ، و يجب ألا نُثير تساؤلات حول سلوكنا بتصرفات بعض الأفراد السلبية .

 

من الضروري أن تقوم القيادة العسكرية بتوضيح هذا الموقف بشكل علني ، وأن تتخذ خطوات عملية لحماية سمعة الجيش و ضمان محاسبة من يتجاوز الحدود الأخلاقية. إننا بحاجة إلى العودة إلى المبادئ التي نؤمن بها والتي تجعلنا في مقدمة الأمم التي تسعى لتحقيق العدالة والسلام .

 

و الله من وراء القصد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى


انضم الى لقناة (زول نت) تلقرام